وأما وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره وطلب ما يبقى منه على طول السفر ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد فليتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر ، وأن زاده التقوى وأن ما عداه مما يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت ويخونه فلا يبقى معه كالطعام الرطب الذي يفسد في أول منازل السفر فيبقى وقت الحاجة متحيرا محتاجا لا حيلة له . الزاد فليطلبه من موضع حلال
فليحذر أن تكون أعماله التي هي زاده إلى الآخرة لا تصحبه بعد الموت بل يفسدها شوائب الرياء ، وكدورات التقصير .
وأما الراحلة إذا أحضرها فليشكر الله بقلبه على تسخير الله عز وجل له الدواب لتحمل عنه الأذى ، وتخفف عنه المشقة .
وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة ، وهي الجنازة التي يحمل عليها فإن أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة ، ولينظر أيصلح سفره على هذا المركب لأن يكون زادا له لذلك السفر على ذلك المركب فما أقرب ذلك منه وما يدريه لعل الموت قريب ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل وركوب الجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه فكيف يحتاط في أسباب السفر المشكوك فيه ، ويستظهر في زاده وراحلته ، ويهمل أمر السفر المستيقن .
وأما شراء ثوبي الإحرام فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه فإنه سيرتدي ويتزر بثوبي الإحرام عند القرب من بيت الله عز وجل ، وربما لا يتم سفره إليه وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفا في ثياب الكفن لا محالة فكما لا يلقى بيت الله عز وجل إلا مخالفا عادته في الزي والهيئة فلا يلقى الله عز وجل بعد الموت إلا في زي مخالف لزي الدنيا وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب إذ ليس فيه مخيط كما في الكفن .