الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأنه ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر وأنه لا يماثل الأجسام ولا في التقدير ولا في قبول الانقسام وأنه ليس بجوهر ، ولا تحله الجواهر ، ولا بعرض ، ولا تحله الأعراض بل لا يماثل موجودا ، ولا يماثله موجود ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء .

وأنه لا يحده المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحيط به الجهات .

التالي السابق


(وإنه) تعالى (ليس بجسم) ؛ لأن الجسم ما له طول وعرض وعمق، قاله الراغب، وقال غيره: هو ما يتألف عن جوهرين فأكثر، وقال بعضهم: هو جواهر مجتمعة، والله تعالى متعال عن حال الأجسام وافتقارها وقبولها للانقسام، فمن وصفه بالجسمية ضل وأضل، وقد حكى البيهقي عن الحليمي أن قوما زاغوا عن الحق فوصفوا الباري -جل وعز- ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جسم. تعالى الله عن ذلك. اهـ. ومنهم من زاد على ذلك فقال إنه (مصور) أي: حسن الصورة معتدلها، يقال: رجل مصور بهذا المعنى عند أهل اللغة، وقد أجمع أهل السنة أن الله تعالى خالق الصور كلها، ليس بذي صورة ولا يشبه شيئا، وفي ذلك خلاف لفرق من اليهود والمعتزلة والمغيرية وغلاة الروافض والهشامية .

(ولا جوهر محدود مقدر) والجوهر هو الجزء الذي لا ينقسم، وهو أصل الشيء، وهو ما يتركب منه الجسم، والمحدود الذي له حد يقف عنده وغاية ينتهي إليها، والمقدر الذي يدخل تحت التقدير، وكل ذلك مما ينزه الباري تعالى عنه (وإنه لا يماثل) أي: لا يشابه (الأجرام) أي: الأجساد (لا في التقدير) والتحديد (ولا في قبول الانقسام) كما هو شأن الأجسام، والله منزه عن ذلك (وإنه ليس بجوهر، ولا تحله الجواهر، ولا بعرض، ولا تحله الأعراض) ؛ لأنه لو كان جوهرا أو عرضا لجاز عليه ما يجوز على الجواهر والأعراض، وإذا جاز ذلك لم يصح أن يكون خالقا، والله خالق كل شيء، فالأشياء كلها مخلوقة، غير الله وصفاته، وأيضا الأعراض صفات الأجسام كاللون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والاجتماع والافتراق والحركة والسكون والاختصاص بالجهات والتحيز في المكان، والعرض لا يبقى زمانين، ولا يقوم بنفسه، وإنما يقوم بغيره، وكل ذلك حادث مخلوق متغير، وجميع المخلوقات من العوالم العلوية والسفلية ينقسم إلى ذلك، والله خالقه جل جلاله .

(بل لا يماثل موجودا، ولا يماثله موجود) ؛ لأنه لو كان كذلك لكان مخلوقا مثل ذلك، من حيث إنه يماثل; لأن الموجودات كلها مخلوقة لله تعالى، غير الله وصفاته (و) إنه (ليس كمثله شيء) والكاف زائدة، أي: ليس مثله شيء، أو المراد بالمثل ذاته (ولا هو مثل شيء) وسيأتي البحث فيه (و) أنه تعالى (لا يحده المقدار ولا يحتويه) أي: لا تضمه (الأقطار) جمع قطر، بالضم، أي: الأطراف (ولا تحيط به الجهات الست) هو المحيط بكل شيء بعلمه وقدرته وسلطانه .




الخدمات العلمية