الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الدرجة السادسة : التهديد والتخويف ، كقوله : دع عنك هذا أو لأكسرن رأسك أو لأضربن رقبتك ، أو لآمرن بك وما أشبهه وهذا ينبغي أن يقدم على تحقيق الضرب إذا أمكن تقديمه والأدب في هذه الرتبة أن لا يهدده بوعيد لا يجوز له تحقيقه كقوله : لأنهبن دارك ، أو لأضربن ولدك ، أو لأسبين زوجتك ، وما يجري مجراه ، بل ذلك إن قاله عن عزم فهو حرام وإن قاله من غير عزم فهو كذب نعم إذا تعرض لوعيده بالضرب والاستخفاف فله العزم عليه إلى حد معلوم يقتضيه الحال وله أن يزيد في الوعيد على ما هو في عزمه الباطن إذا علم أن ذلك يقمعه ويردعه وليس ذلك من الكذب المحذور بل المبالغة في مثل ذلك معتادة ، وهو معنى مبالغة الرجل في إصلاحه بين شخصين وتأليفه بين الضرتين وذلك مما قد رخص فيه للحاجة وهذا في معناه فإن القصد به إصلاح ذلك الشخص وإلى هذا المعنى أشار بعض الناس أنه لا يقبح من الله أن يتوعد بما لا يفعل لأن الخلف في الوعيد كرم ، وإنما يقبح أن يعد بما لا يفعل .

وهذا غير مرضي عندنا فإن الكلام القديم لا يتطرق إليه الخلف وعدا كان أو وعيدا ، وإنما يتصور هذا في حق العباد ، وهو كذلك إذ الخلف في الوعيد ليس بحرام .

التالي السابق


(الدرجة السادسة: التهديد والتخويف، كقوله: دع عنك هذا) أي: اتركه (أو لأكسرن رأسك) ، والذي فيه عيناك (أو لأضربن رقبتك، أو لآمرن بك) فيفعل بك كذا وكذا، لأمور يعددها عليه، (وذلك ينبغي أن يقدم على تحقيق الضرب إذا أمكن تقديمه) ؛ فإنه يفيد به المنع عما هو فيه، والانزجار (والأدب في هذه الرتبة ألا يهدده [ ص: 47 ] بوعيد لا يجوز له تحقيقه كقوله: لأنهبن دارك، أو لأضربن ولدك، أو لأسبين زوجتك، وما يجري مجراه، بل ذلك إن قاله عن عزم) جازم (فهو حرام) لأن كلا من الضرب والنهب والسبي لا يجوز له، (وإن قاله عن غير عزم فهو كذب) وهو محذور إلا ما استثنى (نعم إذا تعرض لوعيده بالضرب والاستخفاف فله العزم عليه) ، ولكن (إلى حد معلوم يقتضيه الحال) والوقت والمصلحة (وله أن يزيد في الوعيد على ما هو في عزمه الباطن) في القلب (إذا علم أن ذلك مما يقمعه ويردعه) أي يزجره، (وليس ذلك من الكذب المحذور) الممنوع (بل المبالغة في مثل ذلك معتادة، وهو معنى مبالغة الرجل) في كلامه (في إصلاحه بين شخصين) متخاصمين، (وتأليفه بين الضرتين) وبين المرأة وزوجها، والضرة امرأة زوجها والجمع ضرات على القياس وسمع ضرائر، (وذلك مما رخص فيه للحاجة وهذا) الذي نحن فيه (في معناه) أي مقاس عليه، (فإن القصد به إصلاح ذلك الشخص) بخلوصه عن المعاصي، (وإلى هذا المعنى أشار بعض الناس) من المتكلمين (أنه لا يقبح من الله أن يتوعد بما لا يفعل) مراعاة للأصلح (لأن الخلف في الوعيد كرم، وإنما يقبح أن يعد بما لا يفعل) وإليه أشار الشاعر بقوله:


فإنى وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي



(وهذا غير مرضي عندنا) معشر أهل السنة والجماعة، (فإن الكلام القديم لا يتطرق إليه الخلف وعدا كان أو وعيدا، وإنما يتصور هذا في حق العباد، وهو كذلك إذ الخلف في الوعد ليس بحرام) ولا يكون قادحا إلا إذا عزم عليه مقارنا موعده، أما إذا كان عازما ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لا يكون قادحا، ونقل أبو البقاء الأحمدي في شرح البخاري عن العلماء أنه يستحب الوفاء بالوعد بالهبة وغيرها استحبابا مؤكدا، ويكره إخلافه كراهة تنزيه لا تحريم، ويستحب إخلاف الوعيد إذا كان المتوعد به جائزا ولا يترتب على تركه مفسدة .




الخدمات العلمية