الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
(ولم تزل الرسل) عليهم الصلاة والسلام (يحاجون المنكرين ويجادلونهم) أولهم آدم -عليه السلام-، وقد أظهر الله الحجة على فضله بأن أظهر عمله على الملائكة، وذلك محض الاستدلال، وتقدم محاجة نوح وإبراهيم وموسى -عليهم السلام-، ولسيدنا سليمان -عليه السلام- مقامان: أحدهما في إثبات التوحيد، والآخر في إثبات النبوة، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وعيسى -عليه السلام- فإنه أول ما تكلم شرح أمر التوحيد، فقال: إني عبد الله، وشهادة حاله كانت دالة على صدق مقالته، وقد دلت على التوحيد والنبوة وبراءة أمه؛ رادا بذلك على اليهود الطاعنين فيها .
وأما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فمحاجته مع الكفار أظهر من أن يحتاج فيه إلى مزيد تقرير، كالدهرية، ومثبتي الشريك، على اختلاف الأنواع، ونافي القدرة، والطاعنين في أصل النبوة، وخاصة في نبوته -صلى الله عليه وسلم- بجميع أنواعه، ومنكري الحشر (قال تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وليس المراد منه المجادلة في فروع الشرائع; لأن من أنكر نبوته فلا فائدة في الخوض معه في تفاريع الأحكام، ومن أثبت نبوته فلا يخالفه ولا يحتاج إلى الجدال، فعلمنا أن هذا nindex.php?page=treesubj&link=29641_28431الجدال المأمور كان في تقرير مسائل الأصول، وإذا ثبت هذا في حقه -صلى الله عليه وسلم- ثبت في حق أمته، وإليه أشار بقوله: (والصحابة) رضوان الله عليهم (أيضا كانوا يجادلون عند الحاجة) أي: لا في كل وقت (وكانت الحاجة إليه قليلة في زمانهم) ، وقد أشار لذلك المصنف في كتاب "العلم"، بقوله: ولم يكن شيء منه مألوفا في العصر الأول، ولكن لما تغير الآن حكمه؛ إذ حدثت البدع الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة لفقت لها شبها ورتبت لها كلاما مؤلفا، فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه، وقد أشار إلى مثل ذلك في كتابه "الإملاء" أيضا، وكذلك قوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=46ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ، والمقصود أن مناظرات القرآن مع الكفار موجودة فيه، وكذا مناظراته -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لخصومهم، وإقامة الحجج [ ص: 55 ] عليهم، لا ينكر ذلك إلا جاهل مفرط في الجهل .