الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان يحب من البقول الهندباء والباذروج والبقلة الحمقاء التي يقال لها الرجلة وكان يكره الكليتين لمكانهما من البول وكان لا يأكل من الشاة سبعا الذكر والأنثيين والمثانة والمرارة والغدد والحياء والدم ويكره ذلك وكان لا يأكل الثوم ولا البصل ، ولا الكراث .

التالي السابق


(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يحب من البقول الهندباء والباذروج) هو الريحان القرنفلي وهو الضميران (والبقلة الحمقاء التي يقال لها الرجلة) .

قال العراقي : روى أبو نعيم في الطب من حديث ابن عباس "عليكم بالهندباء فإنه ما من يوم إلا وهو يقطر عليه قطرة من قطر الجنة ، وله من حديث الحسن بن علي وأنس بن مالك نحوه ، وكلها ضعيفة اهـ .

قلت: في سند حديث ابن عباس عمرو بن أبي سلمة ، ضعفه ابن معين وغيره ، قال العراقي : وأما الباذروج فلم أجد فيه حديثا ، وأما الرجلة فروى أبو نعيم في الطب من رواية ثوير "قال مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرجلة"، وفي رجله قرحة فداواها بها فبرئت ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " بارك الله فيك انبتي حيث شئت أنت شفاء من سبعين داء أدناها الصداع"، وهو مرسل ضعيف .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يكره الكليتين) تثنية كلية ، وهي من الأحشاء معروفة والكلوة بالواو لغة لأهل اليمن ، وهما بضم الأول ، قالوا: ولا تكسر، وقال الأزهري: الكليتين للإنسان ولكل حيوان ، وهما منبت زرع الولد (لمكانهما من البول) ، أي لقربهما منه ، فتعافهما النفس ، ومع ذلك يحل أكلهما وإنما قال لمكانهما من البول ; لأنهما كما في التهذيب لحمتان حمراوان لاصقتان بعظم الصلب عند الخاصرتين ، فهما مجاوران لتكون البول أو تجمعه .

قال العراقي : رويناه في جزء من حديث أبي بكر محمد بن عبيد الله بن الشخير من حديث ابن عباس بسند ضعيف ، فيه أبو سعيد الحسن بن علي العدولي أحد الكذابين اهـ .

قلت: وكذلك رواه ابن السني في كتاب الطب النبوي (ولا يأكل من الشاء) جمع شاة ، والشاة الواحدة من الغنم للذكر والأنثى (سبعا) مع كونها حلالا (الذكر والأنثيين) ، أي الخصيتين (والمثانة) وهي مجمع البول (والمرارة) وهي ما في جوف الحيوان فيها ماء أخضر ، قال الليث: المرارة لكل ذي روح إلا البعير فلا مرارة له ، (والغدد) جمع غدة بالضم وهي لحم يحدث من داء بين الجلد واللحم يتحرك [ ص: 122 ] بالتحريك، (والحياء) ، ممدود الفرج من ذوات الخف والظلف، قاله ابن الأثير، (والدم) غير المسفوح; لأن الطبع السليم يعاف هذه الأشياء، وليس كل حلال تطيب النفس لأكله، (ويكره ذلك) قال الخطابي: الدم حرام إجماعا، عامة المذكورات معه مكروهة، لا محرمة، وقد يجوز أن يفرق بين القرائن التي جمعها نظم واحد، بدليل يقوم على بعضها فيحكم له بخلاف حكم صواحباتها، ورده أبو شامة بأنه لم يرد بالدم هنا ما فهمه الخطابي، فإن الدم المحرم بالإجماع قد انفصل من الشاة، وخلت منه عروقها، فكيف يقول الراوي: كان يكره من الشاء يعني بعد ذبحها سبعا، والسبع موجودة فيها، وأيضا فمنصبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجل عن أن يوصف، بأنه كره شيئا هو منصوص على تحريمه على الناس كافة، وكان أكثرهم يكرهه قبل تحريمه، ولا يقدم على أكله إلا الجفاة في شظف من العيش، وجهد من القلة، وإنما وجه هذا الحديث المنقطع الضعيف، أنه كره من الشاة ما كان من أجزائها دما منعقدا مما يحل أكله; لكونه دما غير مسفوح، كما في خبر: "أحل لنا ميتتان ودمان" فكأنه أشار بالكراهة إلى الطحال والكبد، مما ثبت أنه أكله ، والله أعلم .

قال العراقي : رواه ابن عدي ، ومن طريقه البيهقي من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف، ورواه البيهقي من رواية مجاهد مرسلا اهـ .

قلت: رواه ابن عدي من طريق فهد بن نسر عن عمر بن موسى بن وجيه، عن مجاهد، عن ابن عباس، ثم قال البيهقي بعد أن أخرجه من طريقه: وعمر ضعيف، ووصله لا يصح اهـ .

وقال ابن القطان : عمر بن موسى متروك، وقد جزم عبد الحق بتضعيفه، وتبعه العراقي، وأما مرسل مجاهد فأخرجه البيهقي عن سفيان، عن الأوزاعي، عن واصل بن أبي جميلة عنه، ورواه أبو حنيفة الإمام عن واصل بن أبي جميلة، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر وفيه يحيى الحماني، وهو ضعيف .

(وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يأكل الثوم ولا البصل، ولا الكراث) قال العراقي : رواه مالك في الموطأ، عن الزهري عن سليمان بن يسار مرسلا، وهو عند الدارقطني في غرائب مالك عن الزهري، عن أنس ، وفي الصحيحين من حديث جابر، أتي ببدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا ،الحديث، وفيه "فإني أناجي من لا تناجي"، ولمسلم من حديث أبي أيوب في قصة بعثه إليه بطعام فيه ثوم، فلم يأكل منه، وقال: "لكني أكرهه من أجل ريحه" اهـ .

قلت: ويقاس على هؤلاء الفجل وكل بقلة كريهة، وروى أبو داود في سننه من حديث عائشة :"آخر طعام أكله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيه بصل" ولا ينافي ما تقدم من الأخبار; لأن محله في النيء ، على أن الأصح نيء هذه مكروه عليه، وليس بمحرم، وروى أبو نعيم في الحلية، والخطيب في التاريخ، عن أنس : "كان لا يأكل الثوم، ولا البصل، ولا الكراث من أجل أن الملائكة تأتيه، وأنه يكلم جبريل".




الخدمات العلمية