ولكن إذا انجر الكلام إلى تحريك خيال في بد من كلام وجيز في حله . مناقضة الظاهر للباطن فلا
فمن قال : إن الحقيقة تخالف الشريعة أو الباطن يناقض الظاهر فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان بل الأسرار التي يختص بها المقربون بدركها ولا يشاركهم الأكثرون في علمها ويمتنعون عن إفشائها إليهم ترجع إلى خمسة أقسام .
القسم الأول : أن يكون الشيء في نفسه دقيقا تكل أكثر الأفهام عن دركه فيختص بدركه الخواص وعليهم أن لا يفشوه إلى غير أهله فيصير ذلك فتنة عليهم حيث تقصر أفهامهم عن الدرك .
وإخفاء سر الروح ، وكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيانه من هذا القسم فإن حقيقته بما تكل الأفهام عن دركه وتقصر الأوهام عن تصور كنهه .
ولا تظنن أن ذلك لم يكن مكشوفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن من لم يعرف الروح فكأنه لم يعرف نفسه ومن لم يعرف نفسه ، فكيف يعرف ربه سبحانه ولا يبعد أن يكون ذلك مكشوفا لبعض الأولياء والعلماء وإن لم يكونوا أنبياء ، ولكنهم يتأدبون بآداب الشرع ، فيسكتون عما سكت عنه بل في صفات الله عز وجل من الخفايا ما تقصر أفهام الجماهير عن دركه ولم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلا الظواهر للأفهام من العلم والقدرة وغيرهما حتى فهمها الخلق بنوع مناسبة توهموها إلى علمهم وقدرتهم إذ كان لهم من الأوصاف ما يسمى علما وقدرة ، فيتوهمون ذلك بنوع مقايسة .
ولو ذكر من صفاته ما ليس للخلق مما يناسبه بعض المناسبة شيء لم يفهموه بل لذة الجماع إذا ذكرت للصبي أو العنين لم يفهمها إلا بمناسبة إلى لذة المطعوم الذي يدركه ولا يكون ذلك فهما على التحقيق .