الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأبعد المواضع عن الأطراف الوسط ، فصار الوسط مطلوبا في جميع هذه الأحوال المتقابلة ، وعنه عبر بقوله صلى الله عليه وسلم : خير الأمور أوساطها وإليه الإشارة بقوله تعالى وكلوا : واشربوا ولا تسرفوا ومهما لم يحس الإنسان بجوع ولا شبع تيسرت له العبادة والفكر وخف في نفسه وقوي على العمل مع خفته ولكن هذا بعد اعتدال الطبع .

أما ، في بداية الأمر ، إذا كانت النفس جموحا متشوقة إلى الشهوات ، مائلة إلى الإفراط ، فالاعتدال لا ينفعها ، بل لا بد من المبالغة في إيلامها بالجوع ، كما يبالغ في إيلام الدابة التي ليست مروضة بالجوع والضرب وغيره ، إلى أن تعتدل فإذا ارتاضت واستوت ورجعت إلى الاعتدال ترك تعذيبها وإيلامها ولأجل هذا السر يأمر الشيخ مريده بما لا يتعاطاه هو في نفسه ، فيأمره بالجوع وهو لا يجوع ، ويمنعه الفواكه والشهوات وقد لا يمتنع هو منها لأنه قد فرغ من تأديب نفسه ، فاستغنى عن التعذيب .

التالي السابق


(وأبعد المواضع عن الأطراف الوسط، فصار الوسط مطلوبا في جميع هذه الأخلاق المتقابلة ، وعنه عبر بقوله صلى الله عليه وسلم: خير الأمور أوسطها ) قال العراقي : رواه البيهقي في الشعب مرسلا، وقد تقدم، قلت: أخرجه من قول مطرف ، وكذلك رواه ابن جرير في التفسير، أيضا، ويروى من قول يزيد بن مرة الجعفي ، رواه ابن جرير أيضا .

وروي ذلك عن علي مرفوعا بسند فيه مجاهيل، ورواه ابن السمعاني في الذيل، وأبو بكر الجياني في الأربعين، ويروى أيضا عن ابن عباس .

أخرجه الديلمي بلا سند، وقد تقدم الكلام على ذلك مفصلا، (وإليه الإشارة بقوله تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) ، وكذا قوله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ، الآية، وكذا قوله تعالى: لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ، وقال تعالى: إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ، (ومهما لم يحس الإنسان بجوع ولا شبع تيسرت له العبادة والفكر) ، والمراقبة ونحوها، (وخف في نفسه وقوي على العمل في خفته) ، وفي بعض النسخ: وقوي بالعمل على خفته، (ولكن هذا بعد اعتدال الطبع، إما في بداية الأمر، إذا كانت النفس جموحة) رافعة رأسها (متشوفة إلى الشهوات، مائلة إلى الإفراط، فالاعتدال لا ينفعها، بل لا بد من المبالغة في إيلامها) أي إتعابها (بالجوع، كما يبالغ في إيلام الدابة التي ليست مروضة) أي: منقادة مهذبة، (بالجوع والضرب وغيرهما، إلى أن تعتدل) ، وهذا مشاهد، (فإذا ارتاضت واستوت ورجعت إلى الاعتدال ترك تعذيبها وإيلامها) ، وأطلق لها الإكرام، (ولأجل هذا السر يأمر الشيخ مريده بما لا يتعاطاه هو في نفسه، فيأمره بالجوع) ، والصبر عليه، (وهو) بنفسه (لا يجوع، ويمنعه) تناول (الفواكه والشهوات) ، ويحذره منها، (وهو لا يمتنع منها) ، بل يتناولها; (لأنه قد فرغ من تأديب نفسه، فاستغنى عن التأديب) ; إذ صارت مذللة في العبادة .




الخدمات العلمية