وأبعد المواضع عن الأطراف الوسط ، فصار ، وعنه عبر بقوله صلى الله عليه وسلم : الوسط مطلوبا في جميع هذه الأحوال المتقابلة خير الأمور أوساطها وإليه الإشارة بقوله تعالى وكلوا : واشربوا ولا تسرفوا ومهما لم يحس الإنسان بجوع ولا شبع تيسرت له العبادة والفكر وخف في نفسه وقوي على العمل مع خفته ولكن هذا بعد اعتدال الطبع .
أما ، في بداية الأمر ، إذا كانت النفس جموحا متشوقة إلى الشهوات ، مائلة إلى الإفراط ، فالاعتدال لا ينفعها ، بل لا بد من المبالغة في إيلامها بالجوع ، كما يبالغ في إيلام الدابة التي ليست مروضة بالجوع والضرب وغيره ، إلى أن تعتدل فإذا ارتاضت واستوت ورجعت إلى الاعتدال ترك تعذيبها وإيلامها ولأجل هذا السر يأمر الشيخ مريده بما لا يتعاطاه هو في نفسه ، فيأمره بالجوع وهو لا يجوع ، ويمنعه الفواكه والشهوات وقد لا يمتنع هو منها لأنه قد فرغ من تأديب نفسه ، فاستغنى عن التعذيب .