الآفة الخامسة الخصومة .
وهي أيضا مذمومة ، وهي وراء الجدال والمراء ، فالمراء طعن في كلام الغير بإظهار خلل فيه من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير .
وإظهار مزية الكياسة والجدال عبارة عن أمر يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها .
، وذلك تارة يكون ابتداء ، وتارة يكون اعتراضا . والخصومة لجاج في الكلام ليستوفى به مال أو حق مقصود
والمراء لا يكون إلا باعتراض على كلام سبق ، فقد قالت رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة وقال إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع وقال بعضهم : إياك والخصومة ؛ فإنها تمحق الدين ويقال : ما خاصم ورع قط في الدين وقال ابن قتيبة مر بي بشر بن عبد الله بن أبي بكرة فقال : ما يجلسك ههنا ؟ قلت : خصومة بيني وبين ابن عم لي . فقال : إن لأبيك عندي يدا وإني أريد أن أجزيك بها ، وإني والله ما رأيت شيئا أذهب للدين ولا أنقص للمروءة ، ولا أضيع للذة ، ولا أشغل للقلب من الخصومة ، قال : فقمت لأنصرف ، فقال لي خصمي ما لك قلت : ؟ : لا أخاصمك . قال : إنك عرفت أن الحق لي . قلت : لا ، ولكن أكرم نفسي عن هذا . قال : فإني لا أطلب منك شيئا هو لك .
فإن قلت : فإذا كان للإنسان حق فلا بد له من الخصومة في طلبه ، أو في حفظه مهما ظلمه ظالم فكيف يكون حكمه ؟ وكيف تذم خصومته ؟ فاعلم أن هذا الذم يتناول الذي يخاصم بالباطل والذي يخاصم بغير علم ، مثل وكيل القاضي ، فإنه قبل أن يتعرف أن الحق في أي جانب هو يتوكل في الخصومة من أي جانب كان ، فيخاصم بغير علم ويتناول الذي يطلب حقه ، ولكنه لا يقتصر على قدر الحاجة ، بل يظهر اللدد في الخصومة على قصد التسلط أو على قصد الإيذاء ، ويتناول الذي يمزج بالخصومة كلمات مؤذية ليس يحتاج إليها في نصرة الحجة وإظهار الحق ، ويتناول الذي يحمله على الخصومة محض العناد لقهر الخصم ، وكسره مع أنه قد يستحقر ذلك القدر من المال وفي الناس من يصرح به ويقول : إنما قصدي عناده وكسر عرضه وإني إن أخذت منه هذا المال ربما رميت به في بئر ولا أبالي وهذا مقصوده اللدد والخصومة واللجاج وهو مذموم جدا ، فأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد وإسراف وزيادة لجاج ، على قدر الحاجة ، ومن غير قصد عناد وإيذاء ففعله ليس بحرام ولكن الأولى تركه ، ما وجد إليه سبيلا فإن ضبط اللسان في الخصومة على حد الاعتدال متعذر ، والخصومة توغر الصدر وتهيج الغضب وإذا هاج الغضب نسي المتنازع فيه ، وبقي الحقد بين المتخاصمين حتى يفرح كل واحد بمساءة صاحبه ويحزن بمسرته ، ويطلق اللسان في عرضه فمن بدأ بالخصومة فقد تعرض لهذه المحذورات وأقل ما فيه تشويش خاطره حتى إنه في صلاته يشتغل بمحاجة خصمه فلا يبقى الأمر على حد الواجب ، فالخصومة مبدأ كل شر وكذا المراء والجدال ، فينبغي أن لا يفتح بابه إلا لضرورة وعند الضرورة ينبغي أن يحفظ اللسان والقلب عن تبعات الخصومة وذلك متعذر جدا فمن اقتصر على الواجب في خصومته سلم من الإثم ولا تذم خصومته إلا أنه إن كان مستغنيا عن الخصومة فيما خاصم فيه ; لأن عنده ما يكفيه ، فيكون تاركا للأولى ، ولا يكون آثما نعم ، أقل ما يفوته في الخصومة والمراء والجدال طيب الكلام وما ورد فيه من الثواب إذ أقل درجات طيب الكلام إظهار الموافقة ولا خشونة في الكلام أعظم من الطعن والاعتراض الذي حاصله إما تجهيل وإما تكذيب فإن من جادل غيره ، أو ماراه أو خاصمه ، فقد جهله أو كذبه ، فيفوت به طيب الكلام .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : . يمكنكم من الجنة طيب الكلام وإطعام الطعام
وقد قال الله تعالى : وقولوا للناس حسنا وقال رضي الله عنهما من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه السلام ، وإن كان مجوسيا ؛ إن الله تعالى يقول : ابن عباس وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وقال ابن عباس أيضا : لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس وروي أن إن في الجنة لغرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام عيسى عليه السلام مر به خنزير ، فقال : مر بسلام فقيل : يا روح الله ، أتقول هذا لخنزير ؟ فقال : أكره أن أعود لساني الشر وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : وقال الكلمة الطيبة صدقة وقال اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة رضي الله عنه البر شيء هين : وجه طليق وكلام لين وقال بعض الحكماء : الكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوارح وقال بعض الحكماء : كل كلام لا يسخط ربك إلا أنك ترضي به جليسك ، فلا تكن به عليه بخيلا ؛ فإنه لعله يعوضك منه ثواب المحسنين وهذا كله في عمر ، وتضاده الخصومة والمراء والجدال واللجاج ؛ فإنه الكلام المستكره الموحش المؤذي للقلب المنغص للعيش ، المهيج للغضب ، الموغر للصدر نسأل الله حسن التوفيق بمنه وكرمه . فضل الكلام الطيب
.