الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل أن كل ما عجز عنه البشر لم يكن إلا فعلا لله تعالى .

فمهما كان مقرونا بتحدي النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة قوله : صدقت .

التالي السابق


ثم لما فرغ المصنف من ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم شرع في بيان وجه دلالة المعجزات على الصدق، فقال: (ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل) عليهم الصلاة والسلام (أن كل ما عجز عنه البشر) عن إتيان مثله (لم يكن إلا فعلا لله تعالى) ، فإن قيل: المعجزة قد تكون من قبيل الترك دون الفعل، كما إذا قال الرسول: "معجزتي أن أضع يدي على رأسي وأنتم لا تقدرون على ذلك"، ففعل وعجزوا، فإنه معجز دال على صدقه، كما في المواقف، قلنا: قد جرى المصنف تبعا لشيخه على أن كفهم عن ذلك فعل الله سبحانه، لا عدم فعل منه سبحانه، كأن يقال: هو عدم تمكينهم، فهو غير خارج عن الفعل، وإذ قد تقرر أن المعجزة ليست إلا فعلا لله تعالى (مهما كان مقرونا بتحدي النبي) أي: مهما جعلها الرسول دلالة واضحة على صدقه فيما ينقل عن الله تعالى، فأوجده الله تعالى موافقا لقوله، (نزل) ذلك الإيجاد على وفق ما قال (منزلة قوله: صدقت) ، وهو تصريح التصديق .

[ ص: 211 ] قال ابن التلمساني في شرح اللمع: اختلف الأصوليون في وجه دلالة المعجزة، فمنهم من قال: إنها تتنزل منزلة التصديق بالقول; فإن الله تعالى إذا خلق له المعجزة على وفق دعواه فكأنه قال له: صدقت بالقول; فيكون مدلولها خيرا، ومنهم من يقول: إنها تدل على إنشاء الرسالة، فيكون تقديرها: أنت رسولي، أو: بلغ رسالتي. والإنشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب، ثم قرروا الدلالة من وجهين: أحدهما أنها تدل عقلا، قالوا: لأن خلق الخارق من الله تعالى على وفق دعواه، وتحديه، والعجز عن معارضته، وتخصيصه، يدل على إرادة الله تعالى لتصديقه، كما يدل اختصاص الفعل بالوقت والشكل والقدر على إرادته تعالى بالضرورة، وإلى هذا ميل الأستاذ الثاني أن دلالتها عادية، كدلالة قرائن الأحوال، قالوا: وخلق ذلك من الله تعالى على صدقه بالضرورة، كما يعلم، خجل الخجل ووجل الوجل بالضرورة، وإليه ميل الإمام. اهـ .

وقرره شارح الحاجبية بوجه آخر، فقال: اختلفوا في وجه دلالة المعجزة، فمنهم من زعم أنها وضعية، وهو ظاهر ما في الإرشاد لإمام الحرمين، وإن كان آخر الأمر التجأ إلى أنها عادية تجريبية، كما وقع له ذلك في البرهان. وحاصل دعوى أنها وضعية أن المعجزة ترجع إلى القول، والقول دلالته وضعية، ومنهم من زعم أنها عقلية، وهو قول الأستاذ، وحاصله أن الله تعالى خلق الخارق على وفق دعوى الرسالة، والتحدي مع العجز عن معارضته، وتخصيصه بذلك، يدل على إرادة الله أنه صدق، كما يدل اختصاص الفعل المعين على إرادته لذلك قطعا، والصحيح -وهو قول المحققين- أنها تجريبية; فإن تصديق الله إياه بالمعجزة يحصل عادة منها. اهـ .




الخدمات العلمية