والقائل بهذا قائل بنفس مذهب المعتزلة إذ يقال له : فلا بد أن يقول نعم وفيه حكم بوجود الإيمان دون العمل ، فنزيد ونقول : لو بقي حيا حتى دخل عليه وقت صلاة واحدة فتركها ، ثم مات ، أو زنى ، ثم مات فهل يخلد في النار فإن قال : نعم فهو مراد من صدق بقلبه وشهد ، بلسانه ، ومات في الحال فهل هو في الجنة المعتزلة ، وإن قال : لا فهو تصريح بأن العمل ليس ركنا من نفس الإيمان ولا شرطا في وجوده ولا في استحقاق الجنة به وإن قال : أردت به أن يعيش مدة طويلة ، ولا يصلي ، ولا يقدم على شيء من الأعمال الشرعية فنقول فما ضبط تلك المدة وما عدد تلك الطاعات التي بتركها يبطل الإيمان ، وما عدد الكبائر التي بارتكابها يبطل الإيمان ؟ وهذا لا يمكن التحكم بتقديره ولم يصر إليه صائر أصلا .
الدرجة الرابعة أن يوجد التصديق بالقلب قبل أن ينطق باللسان أو يشتغل بالأعمال ومات فهل نقول مات مؤمنا بينه وبين الله تعالى وهذا مما اختلف فيه ، ومن شرط القول لتمام الإيمان يقول هذا مات قبل الإيمان وهو : فاسد إذ قال صلى الله عليه وسلم : يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان وهذا قلبه طافح بالإيمان ، فكيف يخلد في النار ولم يشترط في حديث جبريل عليه السلام للإيمان إلا التصديق بالله تعالى وملائكته وكتبه واليوم الآخر كما سبق .
الدرجة الخامسة أن يصدق بالقلب ويساعده من العمر مهلة النطق بكلمتي الشهادة وعلم وجوبها ولكنه لم ينطق بها فيحتمل أن يجعل امتناعه عن النطق كامتناعه عن الصلاة ونقول هو مؤمن غير مخلد في النار والإيمان ، هو التصديق المحض واللسان ترجمان الإيمان فلا بد أن يكون الإيمان موجودا بتمامه قبل اللسان حتى يترجمه اللسان وهذا هو الأظهر إذ لا مستند إلا اتباع موجب الألفاظ ووضع اللسان أن الإيمان هو عبارة عن التصديق بالقلب .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة ولا ينعدم الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق الواجب كما لا ينعدم بالسكوت عن الفعل الواجب .