فإن قلت فما : شبهة المعتزلة والمرجئة وما حجة بطلان قولهم فأقول : شبهتهم عمومات القرآن أما ، المرجئة فقالوا لا لقوله عز وجل : يدخل المؤمن النار وإن أتى بكل المعاصي فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ولقوله سبحانه وتعالى : والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون الآية ولقوله تعالى : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها إلى قوله : فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء فقوله : كلما ألقي فيها فوج عام فينبغي أن يكون من ألقي في النار مكذبا ولقوله تعالى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وهذا حصر وإثبات ونفي ولقوله تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون فالإيمان رأس الحسنات ، ولقوله تعالى والله يحب المحسنين وقال تعالى : إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ولا حجة لهم في ذلك فإنه حيث ذكر الإيمان في هذه الآيات أريد به الإيمان مع العمل إذ بينا أن وهو الموافقة بالقلب والقول والعمل ودليل هذا التأويل أخبار كثيرة في معاقبة العاصين ومقادير العقاب وقوله صلى الله عليه وسلم : الإيمان قد يطلق ويراد به الإسلام يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فكيف يخرج إذا لم يدخل ومن القرآن قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والاستثناء بالمشيئة يدل على الانقسام وقوله تعالى : ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها وتخصيصه بالكفر تحكم وقوله تعالى : ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ، وقال تعالى : ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار فهذه العمومات في معارضة عموماتهم ولا بد من تسليط التخصص والتأويل على الجانبين ; لأن الأخبار مصرحة بأن العصاة يعذبون بل قوله تعالى : وإن منكم إلا واردها كالصريح في أن ذلك لا بد منه للكل إذ لا يخلو مؤمن عن ذنب يرتكبه وقوله تعالى : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى أراد به من جماعة مخصوصين أو أراد بالأشقى شخصا معينا أيضا وقوله تعالى : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها أي : فوج من الكفار وتخصيص العمومات قريب .
ومن هذه الآية وقع للأشعري وطائفة من المتكلمين إنكار صيغ العموم وأن هذه الألفاظ يتوقف فيها إلى ظهور قرينة تدل على معناها .