ولنرجع إلى المقصود فإن هذا العلم خارج عن علم المعاملة ولكن بين العلمين أيضا اتصال وارتباط فلذلك ترى علوم المكاشفة تتسلق كل ساعة على علوم المعاملة إلى أن تنكشف عنها بالتكليف فهذا وجه بموجب هذا الإطلاق ولهذا قال زيادة الإيمان بالطاعة كرم الله وجهه : إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء ، فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله ، وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه ، فذلك هو الختم وتلا قوله تعالى : علي كلا بل ران على قلوبهم الآية .
الإطلاق الثاني أن يراد به التصديق والعمل جميعا كما قال صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون بابا وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وإذا دخل العمل في مقتضى لفظ الإيمان لم تخف " زيادته ونقصانه ، وهل يؤثر ذلك في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق هذا فيه نظر وقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه .
الإطلاق الثالث : أن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشف وانشراح الصدر والمشاهدة بنور البصيرة وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة ولكني أقول : الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه فليس طمأنينة النفس إلى أن الاثنين أكثر من الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث ، وإن كان لا شك في واحد منهما فإن اليقينيات تختلف في درجات الإيضاح ، ودرجات طمأنينة النفس إليها ، وقد تعرضنا لهذا في فصل اليقين من كتاب العلم ، في باب علامات علماء الآخرة فلا حاجة إلى الإعادة .
وقد ظهر في جميع الإطلاقات أن ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق وكيف وفي الأخبار أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وفي بعض المواضع في خبر آخر : مثقال دينار فأي معنى لاختلاف مقاديره إن كان ما في القلب لا يتفاوت .