الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولنرجع إلى المقصود فإن هذا العلم خارج عن علم المعاملة ولكن بين العلمين أيضا اتصال وارتباط فلذلك ترى علوم المكاشفة تتسلق كل ساعة على علوم المعاملة إلى أن تنكشف عنها بالتكليف فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب هذا الإطلاق ولهذا قال علي كرم الله وجهه : إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء ، فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله ، وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه ، فذلك هو الختم وتلا قوله تعالى : كلا بل ران على قلوبهم الآية .

الإطلاق الثاني أن يراد به التصديق والعمل جميعا كما قال صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وسبعون بابا وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وإذا دخل العمل في مقتضى لفظ الإيمان لم تخف " زيادته ونقصانه ، وهل يؤثر ذلك في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق هذا فيه نظر وقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه .

الإطلاق الثالث : أن يراد به التصديق اليقيني على سبيل الكشف وانشراح الصدر والمشاهدة بنور البصيرة وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة ولكني أقول : الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه فليس طمأنينة النفس إلى أن الاثنين أكثر من الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث ، وإن كان لا شك في واحد منهما فإن اليقينيات تختلف في درجات الإيضاح ، ودرجات طمأنينة النفس إليها ، وقد تعرضنا لهذا في فصل اليقين من كتاب العلم ، في باب علامات علماء الآخرة فلا حاجة إلى الإعادة .

وقد ظهر في جميع الإطلاقات أن ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق وكيف وفي الأخبار أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وفي بعض المواضع في خبر آخر : مثقال دينار فأي معنى لاختلاف مقاديره إن كان ما في القلب لا يتفاوت .

التالي السابق


(ولنرجع إلى المقصود فإن هذا) الذي ذكرناه (اعتراض) أي: كلام معترض بين كلامين، (خارج عن علم المعاملة) الذي نحن بصدده، (ولكن بين العلمين أيضا اتصال وارتباط) كما بين العالمين، (فلذلك ترى علوم المكاشفة) لسطوعها، (تتسلق) أي تتطلع بخفية (كل ساعة إلى علوم المعاملة إلى أن يكف) ، أي يحس (عنها بالتكلف) الشديد (فهذا وجه زيادة الإيمان بالطاعة بموجب هذا الإطلاق) بفتح الجيم، (ولهذا قال علي كرم الله وجهه: إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء، فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله، وإن النفاق ليبدو نكتة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع عليه، فذلك الختم وتلا: كلا بل ران على قلوبهم الآية) .

هكذا أورده صاحب القوت في باب الاستثناء في الإيمان إلا أنه قال: إن الإيمان يبدو، وإن النفاق يبدو، من غير لام فيهما، وقال: فإذا انتهك المحارم العبد وفيه، فذلك هو الختم، ثم قرأ: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، ويروى بوجه آخر قال: إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله، وأيم الله، لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود. قال السيوطي في الجامع الكبير: هكذا أخرجه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف، وأبو عبيد في الغريب ورسته في الإيمان، والبيهقي واللالكائي في السنة والأصبهاني في الحجة، قلت: ومن طريق أبي عبيد أخرجه اللالكائي في كتاب السنة مختصرا وساق سنده من طريق دعلج بن أحمد حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: قال أبو عبيد فذكره. وقال الأصمعي: مثل النكتة أو نحوها، وفي كتاب الحلية في ترجمة حذيفة بمعنى ما ورد عن علي رضي الله عنهما .

(الإطلاق الثاني أن يراد به) أي الإيمان (التصديق) الجازم، (والعمل جميعا) ، فالأول مفهوم الإيمان، والثاني مفهوم الإسلام، وهذا التغاير في المفهومين لا يورث انفكاك [ ص: 260 ] أحدهما عن الآخر في الحكم، فهما متحدان في اعتبار الصدق، وهل إطلاق الإيمان على العمل يكون حقيقة أو مجازا؟

فمن نظر إلى أن الأعمال تكون من الإيمان جعله مجازا، وأما على القول بأنه مركب من التصديق والعمل، فيكون حقيقة، (كما قال صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون بابا) .

قال العراقي: وذكره بعد هذا، فزاد فيه: "أدناها إماطة الأذى عن الطريق"، البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: "الإيمان بضع وسبعون شعبة"، زاد مسلم في روايته: "فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها" فذكره، رواه بلفظ المصنف الترمذي، وصححه، اهـ .

قلت: أخرجه البخاري في أول صحيحه، عن المسندي، عن أبي عامر العقدي، عن سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رفعه: "الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان".

ورواه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح، عن عبد الله بن دينار: "بضع وستون أو بضع وسبعون" على الشك، وعند أبي داوود والترمذي، والنسائي من طريقه: "بضع وسبعون" من غير شك، ورجح البيهقي رواية البخاري، بعدم شك سليمان، وعورض بوقوع الشك عنه، عند أبي عوانة ورجح; لأنه المتيقن، وما عداه مشكوك فيه، وعند ابن عدي في الكامل من رواية ثابت بن محمد، عن الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر بلفظ: "بضع وستون"، (وكما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني وهو مؤمن حين يزني") أي مفهومه سواء على الركنية، أو على وجه التكميل (لم يخف) على المتأمل (زيادته) أي العمل، (ونقصانه، وهل يؤثر في زيادة الإيمان الذي هو مجرد التصديق) الجازم (وهذا فيه نظر) لأن هذا المفهوم لا يتغير بضم الطاعات والمعاصي إليه، (وقد أشرنا إلى أنه يؤثر فيه) ، وأنه لا مانع من ذلك عقلا، والله أعلم .

(الإطلاق الثالث: أن يراد به) أي بالإيمان (التصديق اليقيني) ، أي: اليقين الذي هو مضمون التصديق، وهو أخص من التصديق لكونه (على سبيل الكشف) ، برفع الساتر واطلاع ما وراء الحجاب، (وانشراح الصدر) واتساعه لما يرد عليه، (والمشاهدة بنور البصيرة) وجودا وشهودا، (وهذا أبعد الأقسام عن قبول الزيادة) ، وإليه الإشارة في قول علي، رضي الله عنه: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، (ولكن أقول: الأمر اليقيني الذي لا شك فيه تختلف طمأنينة النفس إليه) ، أي: سكونها واستقرارها، (فليس طمأنينة النفس إلى أن الاثنين) من العدد (أكثر من الواحد كطمأنينتها إلى أن العالم مصنوع حادث، وإن كان لا شك في واحد منهما) إلا أن الأولى من أجلى البديهيات، والثانية من أخفى النظريات; (فإن اليقينيات تختلف في درجات الإيضاح، ودرجات طمأنينة النفس إليها، وقد تعرضنا لهذا) البحث (في فضل اليقين من كتاب العلم، في باب علامات علماء الآخرة) ، وتكلمنا على ما يناسب المقام (فلا حاجة إلى الإعادة) والتكرار، وهذا يدل على تفاوت نفس الذات، ومنع الحنفية هذا، وقالوا: هو تفاوت بأمور زائدة عليها، وعليه روي قول أبي حنيفة، أنه قال: أقول إيماني كإيمان جبريل، ولا أقول مثل إيمان جبريل; لأن المثلية تقتضي المساواة في كل الصفات، والتشبيه لا يقتضيه، فلا أحد يسوي بين إيمان آحاد الناس وإيمان الملائكة والأنبياء، بل يتفاوت بأمور زائدة، وقالوا: ما يظن أن القطع يتفاوت قوة إنما هو راجع إلى جلائه وظهوره، وانكشافه، فإذا ظهر القطع بحدوث العالم بعد ترتيب مقدماته المؤدية إليه، كان الجزم الكائن فيه كالجزم في حكمنا الواحد نصف الاثنين، وإنما تفاوتهما باعتباراته إذا لوحظ هذا كان سرعة الجزم فيه ليس كالسرعة التي في الآخر، وهو الواحد نصف الاثنين خصوصا مع غيبة النظر عن ترتيب مقدمات حدوث العالم عن الذهن، فيخيل أن الجزم بأن الواحد نصف الاثنين أقوى، وليس كذلك إنما هو أجلى عند العقل، فهم ومن وافقهم يمنعون ثبوت ماهية المشكك، ويقولون: إن الواقع على أشياء متفاوتة فيه يكون التفاوت عارضا لها خارجا عنها لا ماهية له ولا جزء ماهية; لامتناع اختلاف الماهية، واختلاف جزئها، ولو سلموا ثبوت ماهية المشكك فلا يلزم كون التفاوت في أفراده بالشدة فقد يكون بالأولوية وبالتقدم والتأخر، ولو سلموا أن ما به التفاوت [ ص: 261 ] في أفراد المشكك شدة كشدة البياض الكائن في الثلج بالنسبة إلى البياض الكائن في العاج مأخوذ من ماهية البياض، بالنسبة إلى خصوص محل لا يسلمون أن ماهية اليقين منه; لعدم دليل يوجبه، ولو سلموا أن ماهية اليقين تتفاوت لا يسلمون أنه يتفاوت بمقدمات الماهية، بل بغيرها من الأمور الخارجة عنها العارضة لها، وقد أجابوا عن الظواهر الدالة على قبول الزيادة أن الإيمان يتفاوت بإشراق نوره في القلب، وزيادة ثمراته، فإن كان زيادة إشراق نوره هو زيادة القوة والشدة فيه، فلا خلاف في المعنى بين القائلين والنافين، إذ يرجع النزاع إلى أن الشدة والقوة التي اتفقوا على ثبوت التفاوت بها زيادة ونقصانا هل هي داخلة في مقدمات حقيقة اليقين، أو خارجة عنها؟

فقد حصل الاتفاق من الفريقين على ثبوت التفاوت فيه بأمر معين، والخلاف في خصوص نسبته إلى تلك الماهية، وإن كان زيادة إشراقه غير زيادة فالخلاف ثابت من الأمور الخارجة عن الماهية التي ثبت بها، وإلى هذا أشار الإمام في الإرشاد حيث قال في جواب سؤال نبي من الأنبياء عليهم السلام: يفضل من عداه في الإيمان باستمرار تصديقه; لاستمرار مشاهدة الموجب للتصديق والجلال والكمال بعين البصيرة، بخلاف غيره، حيث يعرب عنه، ويحضر فيثبت للنبي وأكابر المؤمنين أعداد من الإيمان لا يثبت لغيرهم إلا بعضها، فاستمرار حضور الجزم قد يخال زيادة قوة في ذاته، وليس إياه، أو إياه وليس داخلا اهـ .

(وقد ظهر في جميع الإطلاقات أن ما قالوه من زيادة الإيمان ونقصانه حق) صحيح، (وكيف لا) يكون ذلك، (وفي الأخبار أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان) تقدم الكلام عليه، (وفي بعض المواضع في خبر آخر: مثقال دينار) مكان: مثقال ذرة. قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي سعيد اهـ .

(فأي معنى لاختلاف مقاديرهما إن كان ما في القلب لا يتفاوت) ، قد وقع في البخاري: "مثقال حبة من خردل" كما تقدم، وفي بعض الروايات: "وزن برة" وفي أخرى: "مقدار شعيرة"، فاختلفت المقادير، وهو على التمثيل ليكون عيارا في المعرفة لا في الوزن حقيقة; لأن الخير أو الإيمان ليس بجسم فيحصره الوزن والكيل لكن ما يشكل من المعقول قد يرد إلى عيار محسوس; ليفهم ويشبه به، ليعلم وفيه أقوال أخر، ذكرها شراح الصحيح .



(تنبيه)

وجدت بخط بعض المحصلين ما نصه: قال الإمام: البحث في زيادة الإيمان ونقصانه لفظي; لأنه إن كان المراد بالإيمان التصديق فلا يقبلهما، وإن كان الطاعات فيقبلهما فالطاعات مكملة للتصديق، فكلما قام من الدليل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان، كان مصروفا إلى أصل الإيمان الذي هو التصديق، وكل ما دل على كون الإيمان يقبل الزيادة والنقصان فهو مصروف إلى الكامل، وهو المقرون بالعمل .

وقال بعضهم: يقبلهما سواء كان عبارة عن التصديق مع الأعمال، وهو ظاهر أو بمعنى التصديق وحده; لأن التصديق بالقلب هو الاعتقاد الجازم وهو قابل للقوة والضعف اهـ .

وقال شارح الحاجبية: الإيمان قد يطلق على ما هو الأساس في النجاة وعلى الكامل المنجي بلا خلاف اهـ .

وبخط بعض المحصلين قال العلامة الشمس محمد البكري: حيث أطلق أصحابنا أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فمرادهم القدر الذي هو الأصل في النجاة، ومن قال: يزيد وينقص أراد به الكامل اهـ .

قلت: وهو حسن، ولكن ما أعجبني تسمية القسم الأخير بالكامل فإنه يستدعي أن يكون مقابله ناقصا، وهو وإن كان صحيحا في نفس الأمر، لكن التعبير غير حسن، والأولى أن يعبر عنه بالإيمان الشرعي، كما وقع في عبارات بعض المحققين، وكونه يزيد وينقص قوة وضعفا إجمالا وتفصيلا، وتعددا بحسب تعدد المؤمن به، هو قول المحققين من الأشاعرة، وارتضاه النووي، وعزاه السعد في شرح العقائد لبعض المحققين .

وقال في المواقف: إنه الحق، ولكن قد سبق جواب الحنفية، وإنهم لم يرتضوا ذلك، وسبق الكلام في القوة والضعف فراجعه .



استطراد *

ومن أجوبة الحنفية عن الآيات الدالة على الزيادة ونحوها: إنها محمولة على أنهم كانوا آمنوا في الجملة، ثم يأتي فرض بعد فرض، فكانوا يؤمنون بكل فرض خاص، فكان يزيد بزيادة الموقن به، وهو لا يتصور في غير عصره صلى الله عليه وسلم، وهذا الجواب مروي عن أبي حنيفة، وهو بعينه مروي عن ابن عباس، ففي الكشاف عنه أن أول ما أتاهم به [ ص: 262 ] النبي صلى الله عليه وسلم، التوحيد، فلما آمنوا بالله وحده أنزل الصلاة والزكاة، ثم الجهاد ثم الحج فازدادوا إيمانا على إيمانهم اهـ .

ويوجد في أكثر نسخ الكشاف تقديم الحج على الجهاد، وهو سبق قلم، إذ الجهاد فرض قبل الحج، بلا خلاف، قال ملا علي: وحاصل كلام الإمام أن الإيمان كان يزيد بزيادة ما يجب الإيمان به، وهذا مما لا يتصور في غير عصر النبي صلى الله عليه وسلم اهـ .

ويرشح لذلك قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم الآية، فإن هذه الآية نزلت بعد نزول أحكام الحلال والحرام، والإكمال إتمام الشيء الذي بعضه متبعض من بعض، لا يقال: لما كان له بعد ولا لما كان به نقص، وإنما يقال: كمل لما كان بعضه قبل بعض، فإذا وجد جميعه قبل كمل وتم، وهذا هو حقيقة هذه الكلمة، ولما كان إيمانهم بتوحيد الله تعالى قد سبق وأنزل الله الفرائض شيئا بعد شيء، وكان الإكمال من الدين دل على أن بعضه متعلق ببعض إلى يوم أكمله فصارت زيادة الإيمان من هذا الوجه وبه تعلم اندفاع ما قيل في الرد عليهم بأن الاطلاع على تفاصيل الفرائض، يمكن في غير عصره صلى الله عليه وسلم .

والإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا، وتفصيلا فيما علم تفصيلا، ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد، بل أكمل، وحاصل الدفع أن تلك التفاصيل لما كان الإيمان بها برمتها إجمالا فبالاطلاع عليها لم ينقلب الإيمان من النقصان إلى الزيادة، بل من الإجمال إلى التفصيل فقط بخلاف ما في عصره عليه السلام، فإن الإيمان لما كان عبارة عن التصديق لكل ما جاء به النبي من عند الله، فكلما ازدادت تلك الجملة ازداد التصديق المتعلق به، لا محالة، وأما قوله: ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد، بل أكمل فكونه أزيد ممنوع، وأما كونه أكمل فمسلم إلا أنه غير مفيد فتأمل .



*تكميل *

ومما استدل به على قبول التصديق اليقيني الزيادة قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: " ولكن ليطمئن قلبي "، ووجه الدلالة أن عين اليقين فيه طمأنينة ليست في علم اليقين، وروي عن سعيد بن جبير في معناه أي يزداد يقيني .

وعن مجاهد: لازداد إيمانا إلى إيماني، فإن قيل: إن سيدنا إبراهيم عليه السلام من أعلى الخلق مرتبة في الإيمان فكيف طلب ما يطمئن به قلبه، قلنا: الآية مؤولة، والمراد به زيادة الاطمئنان، أو أنه عليه السلام طلب حصول القطع بالإحياء بطريق آخر، وهو البديهي الذي بداهته سبب وقوع الإحساس به، وحاصله أنه لما قطع بالقدرة على الإحياء اشتاق إلى مشاهدة كيفية هذا الأمر العجيب الذي جز بثبوته، ومثله ابن الهمام بمن قطع بوجود دمشق وما فيها من بساتين وأنهار فنازعته نفسه في رؤيتها والابتهاج بمشاهدتها; فإنها لا تسكن وتطمئن حتى يحصل مناها، وكذا شأنها في كل مطلوب مع العلم بوجود دمشق إذ الفرض القطع بثبوته. قال ابن أبي شريف يشير بهذا التأويل إلى أن المطلوب من ذلك القول: هو سكون قلبه عن المنازعة إلى رؤية الكيفية المطلوب رؤيتها، وهو الذي اقتصر عليه العز بن عبد السلام في جواب السؤال، أو المطلوب سكونه بحصول متمناه من المشاهدة المحصلة للعلم البديهي بعد العلم النظري، والله سبحانه أعلم .



(غريبة) *

روى الفقيه أبو الليث السمرقندي في تفسيره عند قوله تعالى: وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ، فقال: حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا فارس بن مردويه، حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا يحيى بن عيسى، حدثنا أبو مطيع، عن حماد بن سلمة، عن أبي المخرم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، الإيمان يزيد وينقص؟ قال: لا، الإيمان مكمل في القلب، زيادته ونقصانه كفر، فقال شارح الطحاوية: سئل شيخنا العماد بن كثير عن هذا الحديث، فأجاب بأن الإسناد من أبي الليث إلى أبي مطيع مجهولون لا يعرفون في شيء من كتب التواريخ المشهورة، وأما أبو المطيع فهو الحكيم بن عبد الله بن مسلمة البلخي، ضعفه أحمد، ويحيى، والفلاس، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم الرازي، وأبو حاتم البستي، والعقيلي، وابن عدي، والدارقطني، وغيرهم، وأما أبو مخرم الراوي عن أبي هريرة اسمه يزيد بن سفيان فقد ضعفه غير واحد، وتركه شعبة بن الحجاج، وقال النسائي: متروك، وقد اتهمه شعبة [ ص: 263 ] بالوضع حيث قال: لو أعطوه فليسا لحدثهم سبعين حديثا اهـ .




الخدمات العلمية