[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
جماع أبواب صفاته المعنوية صلى الله عليه وسلم 
الباب الأول 
في وفور عقله صلى الله عليه وسلم 
قال  وهب بن منبه  رحمه الله تعالى : قرأت في واحد وسبعين كتابا ، فوجدت في جميعها : «أن الله تبارك وتعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد  صلى الله عليه وسلم إلا حبة رمل من بين جميع رمال الدنيا ، وأن محمدا  صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا» .  رواه  الحكيم الترمذي   وأبو نعيم ،   وابن عساكر  رحمهم الله تعالى . 
وروى داود بن المحبر ،  عن  ابن عباس  رضي الله تعالى عنهما رفعه : «أفضل الناس أعقل الناس» ، قال  ابن عباس :  وذلك نبيك صلى الله عليه وسلم . 
ونقل عن العوارف عن بعض الأكابر قال : اللب والعقل مائة جزء : تسعة وتسعون في النبي صلى الله عليه وسلم ، وجزء في سائر الناس . 
قال القاضي رحمه الله تعالى : ومن تأمل تدبيره صلى الله عليه وسلم أمر بواطن الخلق ، وظواهرهم ، وسياسة الخاصة والعامة ، مع عجيب شمائله ، وبديع سيره ، فضلا عما أفاضه من العلم ، وقرره من الشرع ، دون تعلم سبق ، ولا ممارسة تقدمت ، ولا مطالعة للكتب ، لم يمتر في رجحان عقله ، وثقوب فهمه لأول وهلة . ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرأي وجودة الفطنة والإصابة ، وصدق الظن ، والنظر للعواقب ، ومصالح النفس ، ومجاهدة الشهوة ، وحسن السياسة ، والتدبير ، واقتفاء الفضائل ، واجتناب الرذائل ، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه صلى الله عليه وسلم . 
ومن تأمل حسن تدبيره للعرب الذين كالوحش الشارد ، والطبع المتنافر المتباعد ، كيف ساسهم ؟ واحتمل جفاهم ، وصبر على أذاهم ، إلى أن انقادوا إليه ، واجتمعوا عليه ، وقاتلوا دونه أهليهم : آباءهم ، وأبناءهم ، واختاروه على أنفسهم ، وهجروا في رضاه أوطانهم ، وأحبابهم ، من غير ممارسة سبقت له ، ولا مطالعة كتب يتعلم منها سنن الماضين ، فتحقق أنه صلى الله عليه وسلم أعقل الناس ، ولما كان عقله صلى الله عليه وسلم أوسع العقول لا جرم اتسعت أخلاق نفسه الكريمة اتساعا لا يضيق عن شيء . 
 [ ص: 4 ] 
				
						
						
