الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني فيما عبر صلى الله عليه وسلم من الرؤيا ، أو عبر بين يديه وأقره

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأحمد بن منيع وعبد بن حميد والحارث والنسائي في الكبرى ، وابن حبان عن خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين رضي الله تعالى عنه أنه رأى في النوم كأنه يسجد على جبين ، - وفي لفظ- جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الروح لا تلقى الروح» فأقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، وفي لفظ فاضطجع له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره فسجد من خلفه ، وقال : صدق رؤياك فسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كان رجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاما شابا عزبا أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى والإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما ، أنه رأى في المنام كأن في إحدى أصبعيه عسلا ، وفي الأخرى سمنا ، فكان يلعقهما بأصبع ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن عشت تقرأ الكتابين التوراة والفرقان» ، فكان يقرؤهما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن السكن الحراني والطبراني من طريق سليمان بن عطاء القريشي الحراني عن سلمة بن عبد الله الجهني ، قال الحافظ في الإصابة : في إسناده ضعف ، عن ابن زمل واسمه عبد الله ، وقيل عبد الرحمن وقيل الضحاك الجهني رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قال- وهو ثان رجله- : «سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله ، إن الله كان توابا ، سبعين مرة» ، ثم يقول سبعين بسبعمائة ، : «لا خير فيمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة» ، ثم يستقبل الناس بوجهه ، وكان يعجبه الرؤيا ، ثم يقول : «هل رأى أحد منكم شيئا ؟ » فقال ابن زمل فقلت : أنا يا نبي الله ، قال : «خير تلقاه ، وشر توقاه ، وخير لنا ، وشر لأعدائنا ، والحمد لله رب العالمين ، اقصص رؤياك» فقلت : رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب ، والناس على الجادة منطلقين ، فبينما هم كذلك إذا أنا بذلك الطريق على [ ص: 262 ] مرج لم تر عيني مثله ، يرف رفيفا ، يقطر ماؤه ، وفيه من أنواع الكلإ ، فكأني بالرعلة الأولى حين أشنفوا على المرج كبروا ، ثم أكبوا رواحلهم في الطريق ، فمنهم المرتع ، ومنهم الآخذ الضغث ، ومضوا على ذلك ، ثم قدم عظم الناس ، فلما أشفوا على المرج كبروا ، وقالوا : هذا خير المنزل ، وكأني أنظر إليهم يميلون يمينا وشمالا ، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج ، فإذا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات ، وأنت في أعلاها درجة ، وإذا عن يمينك رجل آدم مسبل أقنى ، إذا هو يتكلم يفرع الرجال طولا وإذا عن يسارك رجل ربعة تار أحمر كثير خيلان الوجه ، كأنما عمم شعره بالماء ، إذا هو تكلم أصغيتم له إكراما له ، وإذا أمامكم رجل شيخ أشبه الناس بك خلقا ووجها ، كلكم تؤمونه تريدونه ، وإذا أمامه ناقة عجفاء شارف ، فإذا بك أنت يا رسول الله ، كأنك تبعثها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب فذاك ما حملتكم عليه من الهدي الذي أنتم عليه ، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا وغضارة عيشتها ، مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها بشيء ولم تتعلق منا ولم نردها ولم تردنا ، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا ، وهم أكثر أضعافا ، فمنهم المرتع ، ومنهم الآخذ الضغث ، ونجوا على ذلك ، ثم جاء عظم الناس فمالوا على المرج يمينا وشمالا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وأما أنت فمضيت على طريقة صالحة ، فلم تزل عليها حتى تلقاني ، وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة ، فالدنيا سبعة آلاف سنة ، وأنا في آخرها ألفا ، وأما الرجل الذي رأيت عن يميني الآدم المسبل فذاك موسى بن عمران عليه السلام ، إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله تعالى إياه ، والرجل الذي رأيت عن يساري التار والربعة الكثير خيلان الوجه فذاك عيسى ابن مريم عليهما السلام ، نكرمه لإكرام الله تعالى إياها ، وإن الشيخ الذي رأيته أشبه الناس بي خلقا ووجها ، فذاك أبي إبراهيم عليه السلام ، كلنا نؤمه ونقتدي به ، وأما الناقة التي رأيتها ورأيتني أبعثها فهي الساعة علينا تقوم ، لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية