الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              وروى الحسن بن عرفة في جزئه المشهور ، وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة خشنة ، فانطلقت ، فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ما هذا يا عائشة ؟ » فقلت : يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت ، فرأت فراشك ، فذهبت ، فبعثت إلي بهذا الفراش ، فقال : «رديه» قالت : فلم أرده ، وقد أعجبني أن يكون في بيتي ، حتى قال ذلك مرات ، فقال : «رديه يا عائشة ، فوالله لو شئت لأجرى الله معي الجبال ذهبا وفضة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في الزهد عن إسماعيل بن أمية قال : صنعت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراشين ، فأبى أن يضطجع على واحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن مردويه عن ابن مسعود ، وابن مردويه والدماميني عن أبي الدرداء ، وأبي ذر ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر عن أبي مسلم الخولاني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما أوحى الله إلي أن أجمع المال ، وأكون من التاجرين ، ولكن أوحى إلي أن فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين » .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 80 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، وابن عساكر عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال وهو يعظ : لقد أصبحتم وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه ، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من زهده إلا كان الذي عليه أكثر من الذي له .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : اتخذت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراشين حشوهما ليف وإذخر فقال : «يا عائشة ما لي وللدنيا إنما أنا والدنيا بمنزلة رجل نزل تحت شجرة في ظلها ، حتى إذا فاء الفيء ارتحل ، فلم يرجع إليها أبدا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي إلى فرش قط ، إلا أني أذكر أن يوم مطر ألقينا تحته بتا فكأني أنظر إلى خرق فيه ينبع منه الماء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى سعيد بن منصور عنها قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراش رث غليظ ، فأردت أن أجعل له فراشا آخر ليكون أوطأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلته فقال : ما هذا يا عائشة ؟ » فقلت : رأيت فراشك رثا غليظا ، فأردت أن يكون هذا أوطأ لك ، فقال : «أخريه ، اثنتين ، والله لا أقعد عليه حتى ترفعيه قال : فرفعت الأعلى الذي صنعت» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء ، وكان عامة خبزهم الشعير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير ، قد أثر الشريط في جنبه ، فقلت : لو نمت يا رسول الله على ما هو ألين من هذا ، فقال : «ما لي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب مر بأرض فلاة ، فرأى شجرة ، فاستظل تحتها ، ثم راح وتركها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عبد الرحمن السلمي ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير ، قد أثر في جنبه ، فقال : يا رسول الله لو اتخذت فراشا ألين من هذا ، فقال : «ما لي وللدنيا ، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سار في يوم صائف ، حتى أتى شجرة ، ثم راح» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبيهقي في الشعب عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال : كان [ ص: 81 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة ، وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة ، فقدم من غزاة له ، فأتاها ، فإذا هو بمسح على بابها ، ورأى على الحسن والحسين قلبين من فضة ، فرجع ، ولم يدخل لها ، فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل عليها من أجل ما رأى ، فهتكت الستر ، ونزعت القلبين من الصبيين ، فقطعتهما ، فبكى الصبيان ، فقسمته بينهما ، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما يبكيان ، فأخذه صلى الله عليه وسلم ، فقال : «يا ثوبان ، اذهب بهذا إلى بني فلان -أهل بيت بالمدينة- واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارا من عاج ، قال : هؤلاء أهل بيتي ، ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبيهقي في الشعب ، وابن أبي حاتم والديلمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما ، ثم طوى ، ثم ظل صائما ، قال : «يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ، ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر على محبوبها ، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم ، فقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل والله لأصبرن جهدي ، ولا قوة إلا بالله» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والشيخان عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيب التمرة فيقول : «لولا أخشى أنها من الصدقة لأكلتها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد -برجال ثقات- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد تمرة تحت جنبه من الليل فأكلها ، فلم ينم تلك الليلة ، فقالت بعض نسائه : يا رسول الله أرقت البارحة ، قال : «إني وجدت تمرة فأكلتها ، وكان عندي تمر من تمر الصدقة ، فخشيت أن تكون منه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن حازم الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بنطع فقيل : استظل به يا رسول الله فقال : «أتحبون أن أستظل بينكم بظل من نار يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحميدي عن حبيب بن أبي ثابت ، عن خيثمة قال : قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن [ ص: 82 ] شئت أعطيناك خزائن الدنيا ومفاتيحها لم نعطها أحدا قبلك ، ولا نعطيها أحدا بعدك ، لا ينقصك ذلك عند الله شيئا ، فقال : «اجمعوها لي في الآخرة» فأنزل الله تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن عطاء بن يسار قال : تعرضت الدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : «إني لست أريدك ، قالت : إن لم تردني فسيريدني غيرك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو القاسم البغوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن امرأة أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرشا فأبى أن يقبله ، وقال : «لو [شئت] أن تسير معي جبال الذهب والفضة لسارت» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في الزهد ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن أم عبد الله بنت شداد بن أوس رضي الله تعالى عنها أنها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره ، وهو صائم فرد إليها رسولها ، أنى لك هذا اللبن ؟ قالت : من شاة لي ، فرد إليها رسولها ، أنى لك الشاة ؟ فقالت : اشتريتها من مالي ، فشرب منه ، فلما كان من الغد أتته أم عبد الله ، فقالت : يا رسول الله بعثت إليك بلبن ، فرددت إلي الرسول فيه ، فقال لها : «بذلك أمرت الرسل لا تأكل إلا طيبا ، ولا تعمل إلا صالحا» ونسأل الله التوفيق ، ويرحم الله «البوصيري» حيث قال :


                                                                                                                                                                                                                              وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم     وأكدت زهده فيها ضرورته
                                                                                                                                                                                                                              إن الضرورة لا تعدو على العصم     وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
                                                                                                                                                                                                                              لولاه لم تخرج الدنيا من العدم



                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية