الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 181 ] واختلف السلف رحمهم الله تعالى في كراهة الأكل متمكنا :

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : إذا ثبت كونه مكروها أي خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه ، أو يجلس وينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى ، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في الهدي : ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس متوركا على ركبتيه ، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر اليمنى تواضعا لله تعالى ، وأدبا بين يديه ، قال : وهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : قال ابن القيم : في كونه صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ، وهذا أنفع ما يكون في الأكلات فإن الأكل بالأصبع الواحدة من أكل التكبر ، ولا يستلذ به الآكل ولا يمريه ولا يسيغه إلا بعد طول ، ولا يفرج آلات الطعام والمعدة بما ينويها في كل أكلة ، فيأخذها على إغماض ، كما يأخذ الرجل حقه حبة حبة أو نحو ذلك ، فلا تلتذ بأخذه ، والأكل بالخمسة والراحة يوجب ازدرام الطعام على آلاته ، وعلى المعدة ، وربما اشتدت الآلات فمات ، وتغصب الآلات على دفعه ، والمعدة على احتماله ، ولا تجد له لذة ولا استمراء ، فأنفع الأكل أكله صلى الله عليه وسلم وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث ، ولا عبرة بكراهة الجهال للعق الأصابع استقذارا ، نعم لو كان ذلك في أثناء الأكل فينبغي اجتنابه ، لأنه يعيد أصابعه ، وعليها أثر ريقه ، قلت : وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم ، ووقع عند سعيد بن منصور عن ابن شهاب مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل يأكل بخمس ، فيجمع بينه وبين ما تقدم باختلاف الحال .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قول أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط : قال في زاد المعاد : كان صلى الله عليه وسلم لا يرد موجودا ، ولا يتكلف مفقودا ، وما قرب إليه شيء من الطعام إلا أكله ، إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم ، ولا عاب طعاما قط ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه ، ولم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس نفسه الشريفة على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى غيره ، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدا ، ولو أنه أطيب ، بل كان صلى الله عليه وسلم يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم والفاكهة والخبز والتمر كما سيأتي ، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي صفات الأطعمة ، وطبائعه ، واستعماله على قاعدة الطب فإذا كان في أحد الطعامين ما يحتاج إلى كسر وتعديل كسره وعدله بضده إن أمكن ، كتعديله حرارة الرطب بالبطيخ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه ، ولم تكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم ، ولم تكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية