الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السادس فيما أكله صلى الله عليه وسلم من الخضراوات وما يلتحق بها

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في أكله صلى الله عليه وسلم البقل .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو الشيخ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البقل ، كذا أورده ابن الجوزي رحمه الله تعالى ، والظاهر أنه بالثاء المثلثة ، وهو الثريد والله أعلم ، رواه الحاكم عن أنس بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الثفل ، ثم قال :

                                                                                                                                                                                                                              سمعت أبا محمد يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول : الثفل : هو الثريد .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في أكله صلى الله عليه وسلم البصل مطبوخا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبيهقي وأبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : آخر طعام أكله صلى الله عليه وسلم كان فيه البصل ، زاد البيهقي أنه كان مشويا في قدر أي مطبوخا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في المفرد وأبو الحسن بن الضحاك عنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكل البصل مشويا قبل أن يموت بجمعة .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في أكله صلى الله عليه وسلم القلقاس .

                                                                                                                                                                                                                              قال في الإمتاع : قاله الدولابي : أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم القلقاس فأكله وأعجبه ، وقال : «ما هذا ؟ » فقالوا شحمة الأرض ، فقال صلى الله عليه وسلم : «إن شحمة الأرض لطيبة» .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في أكله صلى الله عليه وسلم القرع .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمامان مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه ، قال أنس رضي الله تعالى عنه :

                                                                                                                                                                                                                              فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ، ومرقا فيه دباء وقديد ، قال أنس : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حول الصحفة ، فجعلت أتتبعه ، وأضعه بين يديه ولا أطعمه ، فلم أزل أحب الدباء من يومئذ .
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 213 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن أبي طالوت قال : دخلت على أنس وهو يأكل قرعا ، وهو يقول :

                                                                                                                                                                                                                              يا لك من شجرة ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك .


                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن شيبة والنسائي وأبو بكر بن أبي خيثمة عن أبي حكيم جابر بن مشرق ويقال له جابر بن طارق رضي الله تعالى عنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده الدباء تقطع ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : «نكثر به طعامنا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو بكر بن أبي خيثمة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان أعجب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدباء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا عائشة : إذا طبخت فأكثري فيه الدباء فإنه يشد قلب الحزين» ، ورواه أبو بكر الشافعي من طريق آخر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : إذا كان عندنا دباء آثرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الديلمي عنه أيضا قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من أكل الدباء فقال : «إنه يكثر دهن الدماغ ، ويزيد في العقل» .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في أكله صلى الله عليه وسلم السلق مطبوخا مع الزيت ، والفلفل ، والتوابل ، ودقيق الشعير .

                                                                                                                                                                                                                              روي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال : كنا نفرح بيوم الجمعة ، قلنا : لم ؟ قال : كانت لنا عجوز ترسل إلي بضاعة فتأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر عليه حبات من شعير ، والله ما فيه لحم ولا ودك فإذا صلينا الجمعة انصرفنا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن أم المنذر رضي الله تعالى عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي رضي الله تعالى عنه ولنا دوال معلقة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل وعلي يأكل معه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : «مه يا علي ، فإنك ناقه» فجلس علي رضي الله تعالى عنه والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل ، فجعلت لهم سلقا وشعيرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «يا علي من هذا ، فأصب ، فإنه أوفق لك» . [ ص: 214 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية