الباب السادس
في بره وشفقته ورحمته وحسن عهده صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء : 107] قال بعض العارفين : من رحمة الله تعالى خلق الله عز وجل الأنبياء من الرحمة ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم عين الرحمة .
وروى ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن وابن مردويه رضي الله تعالى عنه : أبي ذر إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [المائدة : 118] فلما أصبح قلت : يا رسول الله ، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت ، قال : «فإني سألت ربي الشفاعة لأمتي ، وهي نائلة -إن شاء الله تعالى- من لم يشرك بالله تعالى شيئا» قلت : فما أجبت ؟ قال : «أجبت بالذي لو اطلع كثير منهم لتركوا» ، قال : فإذا أبشر الناس ، قال : بلى ، فقال عمر : يا رسول الله إنك إن بعثت إلى الناس بهذا يتكلوا عن العبادة ، فناداه أن ارجع . قام صلى الله عليه وسلم ليلة ، فقرأ آية يرددها ، يركع بها ، ويسجد ، وبها يقوم ، ويقعد ، حتى أصبح
وروى عن مسلم ، رضي الله تعالى عنه قال : أنس ما رأيت أحدا كان أرحم بالعباد من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى الشيخان عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لأدخل في الصلاة ، وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجدانه من بكائه .
وروى مسلم ، عن وابن عساكر رضي الله تعالى عنهما ابن عمر إبراهيم إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم [إبراهيم : 36] وقال في عيسى عليه السلام : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [المائدة : 118] فرفع يديه ، وقال : «اللهم أمتي ، أمتي ، وبكى» فقال الله عز وجل : «يا جبريل اذهب إلى محمد ، فقل له ، واسأله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال ، وهو أعلم ، فقال الله عز وجل : «يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسوؤك» صلى الله عليه وسلم . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في
وروى الشيخان عن رضي الله تعالى عنها ، عائشة عن والإمام أحمد [ ص: 28 ] رضي الله تعالى عنهما قالا : زيد بن ثابت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل يصلي في المسجد ، فصلى رجال صلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فاجتمع أكثر منهم ، فأصبح الناس يذكرون ذلك ، فكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة ، فخرج فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله ، ففقدوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل بعضهم يتنحنح؛ ليخرج إليهم ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضى صلاته أقبل على الناس ، ثم تشهد وقال : «أما بعد : فإنه لم يخف عني شأنكم الليلة ، ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة ، فتعجزوا عنها ، فصلوا في بيوتكم ، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» .
وروى الشيخان ، والنسائي ، عن وأبو الشيخ مالك بن الحويرث -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما ، رفيقا ، فأقمنا عنده عشرين ليلة ، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا ، فسألنا عمن تركنا عند أهلنا ، فأخبرناه ، فقال : «ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا عندهم» .
وروى عن الطبراني رضي الله تعالى عنهما قال : ابن عمر حسن بن علي رضي الله تعالى عنهما ، فعثر ، فسقط على وجهه ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر يريده ، فأخذه الناس ، فأتوه به فقال : «قاتل الله الشيطان ، إن الولد فتنة ، والله ما علمت أني نزلت من المنبر حتى أوتيت به» . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فخرج
وروى عن الطبراني زيد بن هالة عن أبيه رضي الله تعالى عنه هالة إلى صدره ، وقال : هالة ، هالة! كأنه سر به لقرابته من خديجة . أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو راقد ، فاستيقظ ، فقام
وروى في الأدب عن البخاري رضي الله تعالى عنه ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلا فأخذ رجل بيض حمرة ، فجاءت ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «أيكم فجع هذه في بيضها ؟ » فقال رجل : أنا يا رسول الله أخذت بيضها ، فقال : «اردده؛ رحمة لها» .
وروى عن ابن أبي شيبة رضي الله تعالى عنه قال : أبي سعيد الخدري أبو سعيد أو معاذ : [ ص: 29 ] صليت صلاة ما رأيتك صليت مثلها قط ، قال : «أنا سمعت بكاء الصبي خلفي وترصف النساء ، أردت أن تفرغ له أمه» . صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصر سورتين في القرآن ، فلما قضى الصلاة ، قال له
وروى الشيخان عن رضي الله تعالى عنه قال : أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ، وعنده الأقرع بن حابس التميمي فقال الحسن بن علي الأقرع : لي عشرة من الولد ، ما قبلت منهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «إن من لا يرحم لا يرحم» . قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورويا عن رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تقبلون الصبيان ، وما نقبلهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوأملك لك أن نزع الله تعالى الرحمة من قلبك» .
وروى محمد بن عمر الأسلمي في مغازيه عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم رضي الله تعالى عنه قال : لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرج في فتح مكة رأى كلبة تهر على أولادها وهن حولها يرضعنها ، فأمر رجلا من أصحابه يقال له جعيل بن سراقة أن يقوم حذاءها ، لا يعرض أحد من الجيش لها ، ولا لأولادها .
وروى وغيره عن البخاري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة الحديث . «لولا أن أشق على أمتي لأحببت ألا أتخلف خلف سرية تخرج في سبيل الله ، ولكن لا أجد ما أحملهم عليه ، ولا يجدون ما يتحملون عليه ، وشق عليهم أن يتخلفوا بعدي»
وروى رحمه الله تعالى وغيره عنه أيضا الإمام مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ، ومع كل صلاة» .
وروى عن ابن حبان رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة استعذر من أبا بكر ولم يظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينال منها بالذي نال منها ، فرفع عائشة يده ، فلطمها ، وصك في صدرها ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وقال : «يا أبو بكر ما أنا بمستعذرك أبدا» . أبا بكر
وروى وغيره عن مسلم رضي الله تعالى عنه أنس إبراهيم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه ، وروى ما شاء الله أن يقول ، قال فلقد رأيته ، وهو يكبد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : [ ص: 30 ] «تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بك يا أنس : إبراهيم محزونون» . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل معه على ابنه
وروى عن ابن عساكر رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان ، فكلماه بشيء لا أدري ما هو ؟ فأغضباه ، فلعنهما ، وسبهما ، فلما خرج قلت له : يا رسول الله من أصاب منك خيرا فما أصاب هذان منك خيرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أوما علمت ما عاهدت عليه ربي عز وجل ؟ » . قالت : قلت : وما عاهدت عليه ربك ؟ قال : «قلت : اللهم أيما رجل سببته أو لعنته ، أو جلدته فاجعلها له مغفرة ، وعافية ، وكذا وكذا» .
وروى وصححه عن الترمذي رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة وما بي أن أكون أدركتها ، وما ذلك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، وإنه ليذبح الشاة فيتبع بها صدائق خديجة ، رضي الله تعالى عنها فيهديها لهن . خديجة ما غرت على أحد من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غرت على
وروى في مسنده عن أحمد رضي الله تعالى عنها قالت : عائشة لقد دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : «صنعت اليوم شيئا ، وددت أني لم أصنعه ، دخلت البيت ، فأخشى أن يجيء رجل من أفق من الآفاق ، فلا يستطيع دخوله ، فيرجع ، وفي نفسه منه شيء» .