الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثاني فيما اطلع عليه من أحوال البرزخ والجنة والنار صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن ماجه عن الحسين بن علي رضي الله عنه قال : لما توفي القاسم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت خديجة رضي الله عنها : وددت لو كان الله أبقاه حتى يستكمل رضاعه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن تمام رضاعه في الجنة» ، قالت : لو أعلم ذلك يا رسول الله يهون علي أمره قال : «إن شئت دعوت الله عز وجل يسمعك صوته» ، قالت : بل أصدق الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط بني النجار على بغلة له ونحن معه إذ جادت به فكادت تلقيه ، وإذا بقبر ستة أو خمسة ، فقال : «من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ » فقال رجل : أنا ، فقال : قوم هلكوا في الجاهلية فقال : «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال : «إنهما ليعذبان ، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت : كسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : «ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت قال : «إني رأيت الجنة ، فتناولت عنقودا ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ، ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ورأيت أكثرها النساء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة ، فمد يده ثم أخرها فسألناه ، فقال : «إنه عرضت علي الجنة ، فرأيت قطوفها دانية ، فأردت أن أتناول منها شيئا ، وعرضت علي النار فيما بينكم وبيني كظلي وظلكم فيها» . [ ص: 12 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عنه ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يمشيان فقال : «يا بلال ، هل تسمع ما أسمع ؟ » قال : لا والله يا رسول الله ، ما أسمع شيئا ، قال : «ألا تسمع أهل القبور يعذبون ؟ » ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح بلفظ قال : صاحب القبر يعذب ، فسئل عنه ، فوجده يهوديا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن خزيمة في كتاب السنة عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيع الغرقد فوقف على قبرين ثريين ، قال : «أدفنتم ها هنا فلانا وفلانة ؟ » أو قال : «فلانا وفلانا ؟ » قالوا : نعم ، قال : قد أقعد فلان الآن يضرب» ، ثم قال : «والذي نفسي بيده ، لقد ضرب ضربة سمعها الخلائق إلا الثقلين ولولا تمريج قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع» ، ثم قال : «الآن يضرب هذا» ، ثم قال : «والذي نفسي بيده ، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عظم إلا انقطع» ، وقال : «تطاير قبره نارا» ، قالوا : يا رسول الله ، وما ذنبهما ؟ قال : «أما هذا فإنه كان لا يستبرئ من البول ، وأما هذا فكان يأكل لحوم الناس» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين ، فقال : «إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد بإسناد جيد عن عبد الله بن عمر والطبراني برجال ثقات عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الضعفاء والفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» وفي رواية عمران : «النساء» ، وفي رواية ابن عمرو : «الأغنياء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بإسناد جيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فأطال القيام وكان إذا صلى لنا خفف فرأيته أهوى بيده ليتناول شيئا ثم ركع بعد ذلك ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «علمت أنه راعكم طول صلاتي وقيامي» ، قلنا : أجل ، يا رسول الله ، وسمعناك تقول : «أي رب ، وأنا فيهم ؟ » فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                                                                                                                                                                                                                              «والذي نفسي بيده ، ما من شيء وعدتموه في الآخرة إلا قد عرض علي في مقامي هذا حتى عرضت علي النار ، فأقبل منها حتى حاذى خبائي هذا فخشيت أن تغشاكم فقلت : أي رب ، وأنا فيهم ؟ فصرفها الله تعالى عنكم فأدبرت قطعا كأنها الزرابي فنظرت نظرة ، فرأيت عمران بن حرثان بن الحارث أحد بني غفار متكئا في جهنم على قوسه ، ورأيت فيها الحميرية صاحبة [ ص: 13 ] القطة التي ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي سقتها»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              قال أحمد بن صالح : الصواب حرمان .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيت جهنم يحطم بعضها على بعض ورأيت عمرا بن عامر الخزاعي يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله وأبي بن كعب رضي الله عنهما قالا : بينما نحن صفوفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر إذ رأيناه يتناول شيئا بين يديه في الصلاة ليأخذه ثم يتناوله ليأخذه ثم حيل بينه وبينه ، ثم تأخر وتأخرنا ثم تأخر الثانية وتأخرنا فلما سلم ، قال أبي بن كعب : يا رسول الله ، رأيناك اليوم تصنع في صلاتك شيئا لم تكن تصنعه ، قال : «إني عرضت لي الجنة بما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت قطفا منها لآتيكم به ولو أخذته لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه فحيل بيني وبينه ، ثم عرضت علي النار فلما وجدت حر شعاعها ، تأخرت ، وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن سئلن أخفين وإن أعطين لم يشكرن ، ورأيت فيها لحي بن عمرو يجر قصبه في النار وأشبه من رأيت به معبد بن أكتم» قال معبد : أي رسول الله يخشى علي من شبهه فإنه والد ، قال : «لا ، أنت مؤمن وهو كافر ، وهو أول من جمع العرب على عبادة الأصنام» .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه أيضا عن أبي بن كعب رضي الله عنهما . [ ص: 14 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية