الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الحادي والعشرون في بعض آيات وقعت لسلمان الفارسي

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان قال : كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان ، من جي ، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس : وكان أبي دهقان أرضه ، وكنت أحب الخلق إليه- وفي حديث البكائي : أحب عباد الله إليه ، فأجلسني في البيت كالجواري ، فاجتهدت في الفارسية- وفي حديث علي بن جابر : في المجوسية- فكنت في النار التي توقد فلا تخبو ، وكان أبي صاحب ضيعة ، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس في حديثه : في داره- فقال لي يوما : يا بني ، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة ، ولا تحتبس [ ص: 248 ] فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك ، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون ، فملت إليهم وأعجبني أمرهم ، وقلت- هذا والله خير من ديننا . فأقمت عندهم حتى غابت الشمس ، لا أنا أتيت الضيعة ، ولا رجعت إليه ، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي ، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام .

                                                                                                                                                                                                                              فرجعت إلى والدي ، فقال : يا بني ، قد بعثت إليك رسلا ، فقلت : مررت بقوم يصلون في كنيسة ، فأعجبني ما رأيت من أمرهم ، وعلمت أن دينهم خير من ديننا . فقال : يا بني ، دينك ودين آبائك خير من دينهم ، فقلت : كلا والله . فخافني وقيدني .

                                                                                                                                                                                                                              فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم ، وسألتهم إعلامي من يريد الشام ، ففعلوا ، فألقيت الحديد من رجلي ، وخرجت معهم ، حتى أتيت الشام ، فسألتهم عن عالمهم ، فقالوا : الأسقف ، فأتيته ، فأخبرته ، وقلت : أكون معك أخدمك وأصلي معك ؟ قال : أقم . فمكثت مع رجل سوء في دينه ، كان يأمرهم بالصدقة ، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه ، حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فتوفي ، فأخبرتهم بخبره ، فزبروني ، فدللتهم على ماله؛ فصلبوه ، ولم يغيبوه ورجموه ، وأحلوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا ، فألقى الله حبه في قلبي ، حتى حضرته الوفاة ، فقلت : أوصي ، فذكر رجلا بالموصل ، وكنا على أمر واحد حتى هلك .

                                                                                                                                                                                                                              فأتيت الموصل ، فلقيت الرجل ، فأخبرته بخبري ، وأن فلانا أمرني بإتيانك ، فقال : أقم .

                                                                                                                                                                                                                              فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة ، فقلت له : أوصي ، فقال : ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية .

                                                                                                                                                                                                                              فأتيته بعمورية ، فأخبرته بخبري ، فأمرني بالمقام وثاب لي شيئا ، واتخذت غنيمة وبقيرات ، فحضرته الوفاة ، فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه ، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، مهاجره بأرض ذات نخل ، وبه آيات وعلامات لا تخفى ، بين منكبيه خاتم النبوة ، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، فإن استطعت فتخلص إليه . فتوفي .

                                                                                                                                                                                                                              فمر بي ركب من العرب ، من كلب ، فقلت : أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه ، وتحملوني إلى بلادكم ؟ فحملوني إلى وادي القرى ، فباعوني من رجل من اليهود ، فرأيت النخل ، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي ، فأقمت عند الذي اشتراني ، وقدم عليه رجل من بني قريظة ، فاشتراني منه ، وقدم بي المدينة ، فعرفتها بصفتها ، فأقمت معه أعمل في نخله ، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة ، فنزل في بني عمرو بن عوف ، فإني لفي رأس [ ص: 249 ] نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي ، فقال : أي فلان ، قاتل الله بني قيلة ، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة ، يزعم أنه نبي ، [فوالله] ما هو إلا أن سمعتها ، فأخذني القر ورجفت بي النخلة ، حتى كدت أن أسقط ، ونزلت سريعا ، فقلت : ما هذا الخبر ؟ فلكمني صاحبي لكمة ، وقال : وما أنت وذاك ؟ أقبل على شأنك ، فأقبلت على عملي حتى أمسيت ، فجمعت شيئا فأتيته به ، وهو بقباء عند أصحابه ، فقلت : اجتمع عندي ، أردت أن أتصدق به ، فبلغني أنك رجل صالح ، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة ، فرأيتكم أحق به ، فوضعته بين يديه ، فكف يديه ، وقال لأصحابه : كلوا . فأكلوا ، فقلت : هذه واحدة ، ورجعت .

                                                                                                                                                                                                                              وتحول إلى المدينة ، فجمعت شيئا فأتيته به ، فقلت : أحببت كرامتك فأهديت لك هدية ، وليست بصدقة ، فمد يده فأكل ، وأكل أصحابه ، فقلت : هاتان اثنتان ، ورجعت .

                                                                                                                                                                                                                              فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد ، وحوله أصحابه ، فسلمت ، وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره ، فعلم ما أردت ، فألقى رداءه ، فرأيت الخاتم ، فقبلته ، وبكيت ، فأجلسني بين يديه ، فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجبه ذلك ، وأحب أن يسمعه أصحابه ، ففاتني معه بدر وأحد بالرق ، فقال لي : كاتب يا سلمان عن نفسك ، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته ، على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب .

                                                                                                                                                                                                                              فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أعينوا أخاكم بالنخل» ، فأعانوني بالخمس والعشر ، حتى اجتمع لي ، فقال لي : «فقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي» ، ففعلت ، فأعانني أصحابي حتى فرغت ، فأتيته ، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها ، ويسوي عليها ترابا ، فأنصرف ، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة ، وبقي الذهب ، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة ، من ذهب أصابه من بعض المعادن ، فقال : «ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب» ، فقال : «أد هذه» فقلت : يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي ؟ وروى أبو الطفيل ، عن سلمان ، قال : أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب ، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه .


                                                                                                                                                                                                                              وقيل : إنه لقي بعض الحواريين ، وقيل : إنه أسلم بمكة ، وليس بشيء .

                                                                                                                                                                                                                              وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق ، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه ، وبين أبي الدرداء .

                                                                                                                                                                                                                              أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر ، قال : أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد القاري ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان ، أخبرنا أحمد بن عثمان بن أحمد بن السماك ، أخبرنا يحيى ابن جعفر ، أخبرنا حماد بن مسعدة ، أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن [ . . . ] . [ ص: 250 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية