الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              السابعة : وباصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة كجارية وغيرها .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود عن الشعبي- رضي الله تعالى عنه- قال : كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرضا يختاره قبل الخمس وقبل كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عن ابن عون- رضي الله تعالى عنه- قال : سألت محمد بن سيرين عن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفي قال : كان يصرف له مع المسلمين سهم ، وإن لم يشهدوا الصفي يؤخذ له من رأس الخمس قبل كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد وابن عساكر عن عمر بن الحكم- رضي الله تعالى عنه- قال : لما سبيت بنو قريظة ، عرض السبي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت فيه ريحانة بنت زيد بن عمرو فأمر بها فعزلت وكان يكون له صفي من كل غنيمة .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر : سهم الصفي مشهور في صحيح الآثار ، معروف عند أهل العلم ولا يختلف أهل السير في أن صفيه منه .

                                                                                                                                                                                                                              وأجمع العلماء على أنه خاص به .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الرافعي أن ذا الفقار كان من الصفي .

                                                                                                                                                                                                                              الثامنة : وبخمس الخمس من الفيء والغنيمة .

                                                                                                                                                                                                                              التاسعة : وبأربعة أخماس الخمس بتمامها .

                                                                                                                                                                                                                              قال الله سبحانه وتعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [الأنفال - 41] ، فسهم الرسول هو المراد ، وقال سبحانه وتعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول [الحشر - 7] الآية .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والشيخان عن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال : إن الله تعالى كان [ ص: 430 ]

                                                                                                                                                                                                                              يخص رسوله في هذا الفيء ما لم يعطه أحدا غيره ، فقال : وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير
                                                                                                                                                                                                                              [الحشر - 6] . فكانت هذه خاصة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان ينفق على أهله نفقتهم سنة ثم يأخذ ما بقي ، فيجعله مجعل مال الله ، فعمل بذلك حياته ، فقال أبو بكر : أنا أولى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والحاكم عن عمرو بن عنبسة- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم" .

                                                                                                                                                                                                                              العاشرة : وبدخول مكة بغير إحرام على القول بوجوبه في حق غيره على تفصيل فيه ، والأصح استحبابه .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن جابر- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر القضاعي أن ذلك مما اختص به دون من قبله من الأنبياء ، وتقدمت أحاديث في ذلك في باب لباسه-صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              الحادية عشرة : وبأن مكة أحلت له ساعة من نهار .

                                                                                                                                                                                                                              قال القضاعي : خص بذلك من بين سائر الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية عشرة : وبأن ماله لا يورث عنه وكذلك الأنبياء ، عليهم أن يوصوا بكل مالهم صدقة .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "لا نورث ما تركناه صدقة" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي أن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال لعبد الرحمن وسعد وعثمان وطلحة والزبير : أتشهدون بالله الذي قامت له السموات والأرض ، أسمعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة ؟ قالوا : اللهم ، نعم .

                                                                                                                                                                                                                              والحكمة في أن الأنبياء لا يورثون ، أن لا يظن بهم مبطل أنهم يجمعون الدنيا لورثتهم ، فقطع الله ظن المبطل ، ولم يجعل للورثة شيئا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشيخ نصر الدين المقدسي : المعنى والله تعالى أعلم- أن الأنبياء- صلوات الله ، وسلامه عليهم- لا يورثون ، لأنه يقع في قلب الإنسان شهوة موت مورثه ليأخذ ماله في الغالب ، فنزه الله تعالى الأنبياء وأهاليهم عن مثل ذلك ، فقطع الإرث عنهم . [ ص: 431 ]

                                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : ما الجواب عن قوله : وورث سليمان داود [النمل - 16] ، وقوله- تبارك وتعالى- حكاية عن زكريا : فهب لي من لدنك وليا يرثني [مريم - 5 ، 6] ، وعموم قوله تقدس اسمه : يوصيكم الله في أولادكم [النساء - 11] ، فالجواب أن يقال : المراد الوراثة في النبوة والعلم والدين لا المال . ويؤيد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- : "العلماء ورثة الأنبياء"

                                                                                                                                                                                                                              وأما : يوصيكم الله [النساء - 11] فهي عامة لمن ترك شيئا كان يملكه ، وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته ، فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث ، وعلى تقدير أنه خلف شيئا فما كان ملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما عرف من كثرة خصائصه -صلى الله عليه وسلم- وقد صح عنه أنه لا يورث ، فخص من عموم المخاطبين وهم الأمة .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية