الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السادس في إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم على عتبة بن أبي لهب

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي وأبو نعيم عن أبي نوفل بن أبي عقرب ، عن أبيه ، والبيهقي عن قتادة وأبو نعيم وابن عساكر عن عروة عن هبار بن الأسود ، وأبو نعيم عن طاوس ، وابن إسحاق وأبو نعيم عن محمد بن كعب القرظي ، يزيد بعضهم على بعض أن عتبة بن أبي لهب قال : يا محمد ، هو يكفر بالذي دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، كذا في حديث هبار ، وفي حديث طاوس وأبو الضحى ، ويكفر برب النجم إذا هوى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سلط عليه كلبا من كلابك» .

                                                                                                                                                                                                                              وكان أبو لهب يحتمل البز إلى الشام ، ويبعث بولده مع غلمانه ووكلائه ، ويقول : إنكم قد عرفتم سني وحقي ، وإن محمدا قد دعا على ابني دعوة ، والله ما آمنها عليه ، فتعاهدوه ، فكانوا إذا نزلوا المنزل ألزقوه إلى الحائط وغطوا عليه الثياب والمتاع ، حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا ، فطاف بهم الأسد ، فجعل عتبة يقول : يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا محمد علي ، قتلني محمد وهو بمكة وأنا بالشام ، لا والله ما أظلت السماء على ذي لهجة أصدق من محمد ، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه ، ثم جاء النوم ، فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم ، وناموا فجاء الأسد يهمس يستنشق رؤوسهم رجلا رجلا ، حتى انتهى إليه ، وقال هبار : فجاء الأسد فشم وجوهنا ، فلما لم يجد ما يريد تقابض ثم وثب ، فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففضخ رأسه ، فقال وهو بآخر رمق : ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس ؟ ومات ، فبلغ ذلك أبا لهب ، فقال : ألم أقل لكم إني أخاف عليه دعوة محمد ؟ قد والله عرفت ما كان لينفلت من دعوة محمد .

                                                                                                                                                                                                                              زاد القرظي أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال في ذلك :


                                                                                                                                                                                                                              سائل بني الأشقر إن جئتهم ما كان أبناء أبي واسع ؟ !     لا وسع الله على قبره
                                                                                                                                                                                                                              بل ضيق الله على القاطع [ ص: 217 ]     رحم بني جده ثابت
                                                                                                                                                                                                                              يدعو إلى نور له ساطع     أسبل بالحجر لتكذيبه
                                                                                                                                                                                                                              دون قريش نهزة القادع     فاستوجب الدعوة منه بما
                                                                                                                                                                                                                              بين للناظر والسامع     إن سلط الله بها كلبه
                                                                                                                                                                                                                              يمشي الهوينا مشية الخادع     حتى أتاه وسط أصحابه
                                                                                                                                                                                                                              وقد علتهم سنة الهاجع     فالتقم الرأس بيافوخه
                                                                                                                                                                                                                              والنحر منه فغرة الجائع



                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              الضغم : العض ، ومنه قيل للأسد : الضيغم ، بزيادة ياء .

                                                                                                                                                                                                                              الفدغ : بالغين المعجمة أي شدخه ، والفدغ والقلع والشدغ والشلغ والشدخ والشق .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية