الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع في عصمته صلى الله عليه وسلم من الحارث

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان وابن إسحاق وأبو نعيم والحاكم والبيهقي من طرق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع ، فإذا أتينا على شجرة ظليلة ، تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان : لأقتلن لكم محمدا ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة ، فعلق سيفه ، فنمنا نومة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا ، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس فقال : «إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم ، فاستيقظت وهو في يده- صلتا- فقال لي : من يمنعك مني ؟ قلت : الله» ، زاد الحاكم : وفي رواية : فسقط السيف من يده ، زاد أبو نعيم : وأخذه راجفا . وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف وقال : «من يمنعك مني ؟ قال : كن خير آخذ» ، فخلى سبيله فأتى أصحابه ، فقال : جئتكم من عند خير الناس .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : غورث هذا وزن جعفر ، وقيل : بضم أوله وهو بغين معجمة وراء ، ومثلثة مأخوذة من الغرث ، وهو الجوع ، ووقع عند الخطيب بالكاف بدل المثلثة ، وحكى الخطابي فيه [ ص: 259 ] غويرث بالتصغير ، وحكى القاضي : أن بعض المغاربة قال في البخاري بالعين المهملة ، وصوابه بالمعجمة .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : ذكره الحافظ الذهبي في التجريد من جملة الصحابة ، وعبارته غورث بن الحارث الذي قال : من يمنعك مني ؟ قال : الله ، قال : ما يمنعك مني ؟ قال : الله ، قالها ثلاثا ، فوقع السيف من يده وأسلم ، رواه البخاري من حديث جابر . انتهى . ونازعه الحافظ بأنه ليس في البخاري تعرض لإسلامه ، ثم أورد الطرق التي رواها البخاري في صحيحه ثم قال : ورويناه أي حديث جابر في قصة غورث في المسند الكبير ، لمسدد ، وفيه ما يصرح بعدم إسلامه ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي بعد أن سقط السيف من يده : «من يمنعك مني ؟ » قال : كن خير آخذ ، قال : «أوتسلم ؟ » قال : لا ، ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك ، فخلى سبيله ، فجاء إلى أصحابه فقال : جئتكم من عند خير الناس ، وكذا رواه أحمد وذكره الثعلبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فذكر نحوه عن جابر فيما يتعلق بعدم إسلامه .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال : هذه الطرق ليس فيها أنه أسلم ، وكأن الذهبي لما رأى ما في ترجمة دعثور بن الحارث أن الواقدي ذكر له شبها بهذه القصة وأنه ذكر أنه أسلم فجمع بين الروايتين ، فأثبت إسلام غورث فإن كان كذلك ففيما صنعه نظر من حيث إنه عزاه للبخاري ، وليس فيه أنه أسلم ومن حيث إنه يلزم منه الجزم بكون القصتين واحدة مع احتمال كونهما واقعتين إن كان الواقدي أتقن ما نقل ، وفي الجملة هو على الاحتمال وقد يتمسك من يثبت إسلامه بقوله : جئتكم من عند خير الناس .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية