الباب الثالث في اختلاف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=30639رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج
اعلم أن الصواب الذي عليه أهل الحق [أن] رؤية الله سبحانه وتعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا ، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة ، وإن المؤمنين يرون الله تعالى . وزعمت طوائف من أهل البدع أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه ، وأن رؤيته مستحيلة عقلا . وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح .
وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة للمؤمنين . ورواها أحد وعشرون صحابيا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وآيات القرآن العظيم فيها مشهورة ، واعتراضات المبتدعة عليها ، لها أجوبة مذكورة في كتب المتكلمين من أهل السنة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28725رؤية الله تعالى في الدنيا فممكنة عقلا وسمعا ، ومذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ، ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك .
ولكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط .
وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بالدلائل الجلية ، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة الله -تعالى عن ذلك- بل يراه المؤمنون لا في جهة ، كما يعلمون أنه لا في جهة . وبيان الدليل العقلي على جوازها بطريق الاختصار أن الباري سبحانه وتعالى موجود ، وكل موجود يصح أن يرى ، فالباري عز وجل يصح أن يرى . أما الصغرى فظاهرة ، وأما الكبرى ، فلأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما . وقد تبين أن الموجود هو العلة لصحة الرؤية ، ولا يلزم من جوازها وقوعها وعدم تعلقها ، إنما هو لجري عادته تعالى بعدم خلقها فينا الآن ، مع جواز خلقها فينا ، إذ هي غير مستحيلة وهنا أبحاث محلها الكتب الكلامية .
وبيان الدليل الشرعي على جوازها في الدنيا أن
موسى بن عمران ، رسول الله وكليمه ، العارف به سأل الله سبحانه وتعالى الرؤية ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143رب أرني أنظر إليك [الأعراف : 143] مع اعتقاده أنه تعالى يرى ، فسألها . وفي هذه الآية دليلان . الأول : محال أن يجهل نبي ما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز عليه ، بل لم يسأل إلا جائزا غير محال ، لاستحالة سؤال المحال من الأنبياء ، ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، ومن
[ ص: 56 ]
أعلمه إياه وأطلعه عليه ، فقال له تعالى غير ناف للجواز :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني » ، دون لن أرى المؤذنة بنفيه أي لن تطيق ولا تحتمل رؤيتي الآن لتوقفها على معد لها في الرائي لم يوجد فيك بعد .
ومثل له مثالا بما هو أقوى من نبيه
موسى صلى الله عليه وسلم وأثبت ، وهو الجبل في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني [الأعراف : 143] .
وهذا هو الدليل الثاني : وبيانه أنه تعالى علق رؤية
موسى إياه تعالى باستقرار جبل المناجاة في مكانه وقت التجلي له ، والشيء المعلق بالممكن ممكن ، إذ معنى التعليق الإخبار بثبوت المعلق عند ثبوت المعلق به . وعلى هذا فالشرطية خبرية إذا كان الجزاء في الأصل خبريا كما هنا . فثبت إمكان الرؤية ضرورة أن الله تعالى أخبر بوقوعها على بعض التقادير ، والمحال لا يقع على شيء من التقادير أصلا ، وإذا ثبت الإمكان انتفى الامتناع وبالعكس وهنا أبحاث محلها الكتب الكلامية . وقول
موسى صلى الله عليه وسلم : تبت إليك ، أي من الإقدام على سؤالي إياه في الدنيا ما لم تقدره لي . وقيل : إن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143تبت إليك [الأعراف : 143] إنما كان لما غشيه من شدة ما أفضى به إلى أن صعق ، كما تقول من فعل جائر عراك منه مشقة : تبت عن فعل مثله .
وقال
القاضي أبو بكر الهذلي ، في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني [الأعراف : 143] أي ليس لبشر أن يطيق النظر إلي في الدنيا وإن من نظر إلي في الدنيا مات ، أي في الحال ، بشهادة صعق
موسى إذ رأى الجبل» وقال
القاضي : «وقد رأيت لبعض السلف والمتأخرين أن رؤيته تعالى في الدنيا ممتنعة ، لا من حيث ذاتها ، لثبوت جوازها فيها بما مر ، وإنما امتنعت فيها لضعف تراكيب أهل الدنيا وقواهم ، وكونها متغيرة عرضة للآفات من نوائب مقلقلة ونواكب للأكباد معلقة تنذر بالموت والفناء ، فلم تكن لهم قوة على الرؤية في الدنيا . فإذا كان في الآخرة وركبوا تركيبا آخر ورزقوا قوى ثابتة باقية وأتمت أنوار أبصارهم وقلوبهم حصل بذلك قوة على الرؤية في الآخرة» .
وقد رأيت نحو هذا للإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس رحمه الله قال : «لم ير في الدنيا لأنه باق ولا يرى الباقي بالفاني . فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رئي الباقي بالباقي» وهذا الذي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك كلام حسن مليح ، وليس فيه دلالة على الاستحالة إلا من حيث ضعف القدرة ، فإذا قوى الله تعالى من شاء أقدره على حمل أعباء الرؤية في حقه في أي وقت كان .
قال
الحافظ : «ووقع في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ما يؤيد هذه التفرقة في حديث مرفوع فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=883494«واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» . وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة - بخاء معجمة مضمومة فزاي مفتوحة . من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة ، ومن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت . فإذا جازت الرؤية في الدنيا .
[ ص: 57 ]
عقلا ، فقد امتنعت سمعا . لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له أن يقول إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه» .
قال
القاضي : «ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار [الأنعام : 103] لاختلاف التأويلات في الآية ، فقد قيل : المراد بالإدراك الإحاطة ، فلا نفي فيها لمطلق الرؤية ، وقيل : لا تدركه أبصار الكفار ، وقيل غير ذلك ، والجواب الصحيح : أنه لا دلالة في هذا النفي على عموم الأوقات ولا حال من الأحوال لأنه مسكوت عنه . فمن أين أن المراد لا تدركه الأبصار في وقت من الأوقات ولا حال من الأحوال؟ بل يتعين الحمل على النفي بالنسبة إلى دار الدنيا جمعا بين الأدلة السمعية» .
وقال
أبو العباس القرطبي في المفهم : «الأبصار» جمع محلى بالألف واللام ، فيقبل التخصيص ، وقد ثبت ذلك سمعا في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [المطففين : 15] فيكون المراد الكفار ، بدليل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة ،
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إلى ربها ناظرة [القيامة : 22 ، 23] قال : فإذا جازت في الآخرة جازت في الدنيا لتساوي الوقتين بالنسبة إلى الرائي» انتهى .
قال
الحافظ : «وهو استدلال جيد» .
وقد يستدل بهذه الآية على جواز إمكان الرؤية ، إذ لو امتنعت الرؤية لما حصل التمدح في الآية بنفي الرؤية ، ووجه الملازمة أن الممتنع منتف في حد ذاته ، فلا يكون نفيه صفة مدح ، لأنه ضروري كالمعدوم الممتنع الرؤية ، لا يمدح بعدم رؤيته ، إذ لا يكون : «المعدوم لا يرى» تمدحا ، لامتناع رؤية المعدوم . وقد ثبت التمدح بنفي عدم رؤيته تعالى فتكون رؤيته ممكنة ، والحاصل أن التمدح بنفي عدم الرؤية إنما يكون في إمكان رؤيته تعالى لكنه لا يرى للامتناع وتعذر الإبصار والتحجب بحجاب الكبرياء والجلال لا في أنه لا يرى لامتناع رؤيته تعالى .
لكن الصفات السلبية على هذا ، صفات تمدح ، وإن جعلنا الإدراك في الآية عبارة عن الرؤية على وجه الإحاطة بجوانب المرئي وحدوده . فدلالة الآية حينئذ على جواز الرؤية بل على تحققها بالوقوع ، أظهر من دلالتها على الجواز بما ذكر من التمدح . إذ المعنى على هذا لا تدركه الأبصار ، إذ نظرت إليه على وجه الإحاطة ، لأنه تبارك وتعالى ، مع كونه مرئيا بالأبصار لا تدركه الأبصار على وجه الإحاطة ، لتعاليه قطعا عن التناهي وعن الاتصاف بالحدود التي هي النهايات والجوانب على ما تبين في كتب الكلام .
والإحاطة بما لا يتناهى محال . ولهذا مزيد بيان يأتي في الكلام على حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها . ومع القول بجوازها في الدنيا ، لم يحصل لبشر غير نبينا صلى الله عليه وسلم ، على ما في
[ ص: 58 ]
ذلك من الخلاف ، ومن ادعاها غيره فهو ضال . كما جزم بكفره الإمام
موفق الدين الكواشي - بالفتح والتخفيف وبالمعجمة-
والإمام المهدوي في تفسيريهما ، والإمام
جمال الدين الأردبيلي - بالفتح وسكون الراء وضم الدال المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية- في كتاب «الأنوار» إذ قد سألها نبي الله ورسوله وكليمه
موسى بن عمران ، ولم تحصل له ، أفتحصل لآحاد الناس؟ هذا مما يتوقف فيه .
فصل : وإذا علم ما تقرر ففي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج مذهبان :
فنفتها
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وهو المشهور عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وجاء مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وإليه ذهب كثيرون من المحدثين والمتكلمين . وبالغ الحافظ
عثمان عن سعيد الدارمي ، فنقل فيه الإجماع ، والثاني أنه رآه . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن
الحسن أنه كان يحلف بالله أن
محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير إثباتها ، وكان يشتد عليه إنكار
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة لها . وبه قال سائر أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه جزم
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ومعمر وآخرون . وبه قال
الشيخ أبو الحسن الأشعري وغالب أتباعه . وجنح
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة إلى ترجيحه بما يطول ذكره . ثم اختلفوا :
[ ص: 59 ] هل رآه بعينه أو بقلبه؟ والقولان رويا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد . وقال
الإمام النووي : الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج ، وبسط الكلام على ذلك واستدل بأشياء نوزع في بعضها كما سيأتي بيانه في ذكر أدلة المذهب الأول .
وذهب جماعة إلى الوقف في هذه المسألة ولم يجزموا بنفي ولا إثبات لتعارض الأدلة ، ورجح ذلك الإمام
أبو العباس القرطبي في المفهم ، وعزاه لجماعة من المحققين ، وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع . وغالب ما استدلت به الطائفتان ظواهر متعارضة قابلة للتأويل . قال :
وليست المسألة من التعظيمات فيكتفى فيها بالدلالة الظنية ، فإنما هي من المعتقدات فلا يكتفى فيها إلا بالدليل القطعي .
وقال
السبكي رحمه الله في السيف المسلول : «ليس من شرطه أن يكون قاطعا متواترا بل متى كان حديثا صحيحا ولو ظاهرا وهو من رواية الآحاد ، جاز أن يعتمد عليه في ذلك لأن ذلك من مسائل الاعتقاد التي يشترط فيها القطع ، على أنا لسنا مكلفين بذلك» . انتهى .
وقال
القاضي في الشفاء وغيره «لا مرية في الجواز ، إذ ليس في الآيات :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار [الأنعام : 103] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني [الأعراف : 143] نص في المنع للرؤية ، بل هي مشيرة للجواز كما تقرر ذلك . وأما وجوب وقوعها لنبينا صلى الله عليه وسلم ، والقول بأنه رآه بعينه ، فليس فيه قاطع أيضا ولا نص يعول عليه ، إذ المعول عليه فيه على آيتي النجم :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11ما كذب الفؤاد ما رأى [النجم : 11] و
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر وما طغى [النجم : 17] . والتنازع بين الأئمة فيهما مأثور ، والاحتمال لهما من حيث دلالتهما على الرؤية وعدمها ممكن ، لعدم صراحتهما بها ، لا أثر قاطع متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه رآه بعينه أو بفؤاده إنما نشأ عن اعتقاد لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعتبر فيجب العمل باعتقاد مضمنه من رؤيته ربه . ومثله حديث
شريك عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر في تفسير الآية بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=939856وحديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ : «رأيت ربي في أحسن صورة» ، مضطرب الإسناد والمتن . وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر مختلف من حيث اللفظ محتمل لأن يكون رآه أو لم يره ، مشكل من حيث جعل ذاته نورا ، فروي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=890788«نور أنى أراه» - بفتح أوله وتشديد النون- أي نورا لن أراه ، أي لجري العادة بأن النور إذا غشى البصر حجبه في رؤيته لما وراءه ، وروي :
«نوراني ، أي بكسر النون الثانية وتشديد التحتية» .
[ ص: 60 ]
قال
القاضي : «وهذه الرواية لم تقع لنا ، ولا رأيتها في أصل من الأصول ، ومحال أن تكون ذاته تعالى نورا ، إذ النور جسم يتعالى الله عز وجل عنه ، ومن ثم كانت تسميته نورا بمعنى ذي النور أو خالقه . وفي الحديث الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657270سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيت نورا» .
وليس يمكن الاحتجاج بواحد منهما لإفصاحهما بأنه لم يره ، فإن كان الصحيح «رأيت نورا» ، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم ير الله تعالى ، وإنما رأى نورا منعه وحجبه عن رؤية الله تعالى . وإلى قوله : «رأيت نورا» يرجع قوله : «نور أنى أراه» ، أي كيف أراه مع كون حجابه النور المغشي للبصر ، وهذا الحديث مثل الحديث الآخر من حيث المعنى : حجابه النور ، كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره . وقال أيضا في الإكمال : وقف بعض مشايخنا في هذا . وقال : ليس هذا عليه دليل واضح ، ولكنه جائز ، ورؤية الله تعالى في الدنيا جائزة .
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30639رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ
اعْلَمْ أَنَّ الصَّوَابَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ [أَنَّ] رُؤْيَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُمْكِنَةٌ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ عَقْلًا ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى . وَزَعَمَتْ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَنَّ رُؤْيَتَهُ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا . وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ .
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَرَوَاهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَآيَاتُ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِيهَا مَشْهُورَةٌ ، وَاعْتِرَاضَاتُ الْمُبْتَدِعَةِ عَلَيْهَا ، لَهَا أَجْوِبَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28725رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا فَمُمْكِنَةٌ عَقْلًا وَسَمْعًا ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قُوَّةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اتِّصَالُ الْأَشِعَّةِ وَلَا مُقَابَلَةُ الْمَرْئِيِّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ .
وَلَكِنْ جَرَتِ الْعَادَةُ فِي رُؤْيَةِ بَعْضِنَا بَعْضًا بِوُجُودِ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الِاتِّفَاقِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ .
وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا الْمُتَكَلِّمُونَ ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ الْجَلِيَّةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ جِهَةِ اللَّهِ -تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ- بَلْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ لَا فِي جِهَةٍ ، كَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا فِي جِهَةٍ . وَبَيَانُ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ عَلَى جَوَازِهَا بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ أَنَّ الْبَارِيَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ يَصِحُّ أَنْ يُرَى ، فَالْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ يَصِحُّ أَنْ يُرَى . أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ ، وَأَمَّا الْكُبْرَى ، فَلِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا . وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَوْجُودَ هُوَ الْعِلَّةُ لِصِحَّةِ الرُّؤْيَةِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا وُقُوعُهَا وَعَدَمُ تَعَلُّقِهَا ، إِنَّمَا هُوَ لِجَرْيِ عَادَتِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ خَلْقِهَا فِينَا الْآنَ ، مَعَ جَوَازِ خَلْقِهَا فِينَا ، إِذْ هِيَ غَيْرُ مُسْتَحِيلَةٍ وَهُنَا أَبْحَاثٌ مَحَلُّهَا الْكُتُبُ الْكَلَامِيَّةُ .
وَبَيَانُ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى جَوَازِهَا فِي الدُّنْيَا أَنَّ
مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ ، رَسُولَ اللَّهِ وَكَلِيمَهُ ، الْعَارِفَ بِهِ سَأَلَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرُّؤْيَةَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الْأَعْرَافُ : 143] مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ تَعَالَى يُرَى ، فَسَأَلَهَا . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلَانِ . الْأَوَّلُ : مُحَالٌ أَنْ يَجْهَلَ نَبِيٌّ مَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ ، بَلْ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا جَائِزًا غَيْرَ مُحَالٍ ، لِاسْتِحَالَةِ سُؤَالِ الْمُحَالِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَكِنَّ وُقُوعَهُ وَمُشَاهَدَتَهُ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، وَمَنْ
[ ص: 56 ]
أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ وَأَطْلَعَهُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ تَعَالَى غَيْرَ نَافٍ لِلْجَوَازِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي » ، دُونَ لَنْ أَرَى الْمُؤْذِنَةَ بِنَفْيِهِ أَيْ لَنْ تُطِيقَ وَلَا تَحْتَمِلُ رُؤْيَتِي الْآنَ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى مُعَدٍّ لَهَا فِي الرَّائِي لَمْ يُوجَدْ فِيكَ بَعْدُ .
وَمَثَّلَ لَهُ مِثَالًا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْ نَبِيِّهِ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْبَتُ ، وَهُوَ الْجَبَلُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الْأَعْرَافُ : 143] .
وَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي : وَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ رُؤْيَةَ
مُوسَى إِيَّاهُ تَعَالَى بِاسْتِقْرَارِ جَبَلِ الْمُنَاجَاةِ فِي مَكَانِهِ وَقْتَ التَّجَلِّي لَهُ ، وَالشَّيْءُ الْمُعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ مُمْكِنٌ ، إِذْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْإِخْبَارُ بِثُبُوتِ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمُعَلَّقِ بِهِ . وَعَلَى هَذَا فَالشَّرْطِيَّةُ خَبَرِيَّةٌ إِذَا كَانَ الْجَزَاءُ فِي الْأَصْلِ خَبَرِيًّا كَمَا هُنَا . فَثَبَتَ إِمْكَانُ الرُّؤْيَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ بِوُقُوعِهَا عَلَى بَعْضِ التَّقَادِيرِ ، وَالْمُحَالُ لَا يَقَعُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّقَادِيرِ أَصْلًا ، وَإِذَا ثَبَتَ الْإِمْكَانُ انْتَفَى الِامْتِنَاعُ وَبِالْعَكْسِ وَهُنَا أَبْحَاثٌ مَحَلُّهَا الْكُتُبُ الْكَلَامِيَّةُ . وَقَوْلُ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تُبْتُ إِلَيْكَ ، أَيْ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى سُؤَالِي إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا مَا لَمْ تُقَدِّرْهُ لِي . وَقِيلَ : إِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143تُبْتُ إِلَيْكَ [الْأَعْرَافُ : 143] إِنَّمَا كَانَ لِمَا غَشِيَهُ مِنْ شِدَّةِ مَا أَفْضَى بِهِ إِلَى أَنَّ صُعِقَ ، كَمَا تَقُولُ مِنْ فِعْلٍ جَائِرٍ عَرَاكَ مِنْهُ مَشَقَّةٌ : تُبْتُ عَنْ فِعْلِ مِثْلِهِ .
وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي [الْأَعْرَافُ : 143] أَيْ لَيْسَ لِبَشَرٍ أَنْ يُطِيقَ النَّظَرَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا مَاتَ ، أَيْ فِي الْحَالِ ، بِشَهَادَةِ صَعْقِ
مُوسَى إِذْ رَأَى الْجَبَلَ» وَقَالَ
الْقَاضِي : «وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ رُؤْيَتَهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا مُمْتَنِعَةٌ ، لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا ، لِثُبُوتِ جَوَازِهَا فِيهَا بِمَا مَرَّ ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ فِيهَا لِضَعْفِ تَرَاكِيبِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَقُوَاهُمْ ، وَكَوْنِهَا مُتَغَيِّرَةً عُرْضَةً لِلْآفَاتِ مِنْ نَوَائِبَ مُقَلْقِلَةٍ وَنَوَاكِبَ لِلْأَكْبَادِ مُعَلَّقَةٍ تُنْذِرُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا . فَإِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ وَرُكِّبُوا تَرْكِيبًا آخَرَ وَرُزِقُوا قُوًى ثَابِتَةً بَاقِيَةً وَأُتِمَّتْ أَنْوَارُ أَبْصَارِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ حَصَلَ بِذَلِكَ قُوَّةٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ» .
وَقَدْ رَأَيْتُ نَحْوَ هَذَا لِلْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : «لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ بَاقٍ وَلَا يُرَى الْبَاقِي بِالْفَانِي . فَإِذَا كَانَ فِي الْآخِرَةِ وَرُزِقُوا أَبْصَارًا بَاقِيَةً رُئِيَ الْبَاقِي بِالْبَاقِي» وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867الْإِمَامُ مَالِكٌ كَلَامٌ حَسَنٌ مَلِيحٌ ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ ضَعْفُ الْقُدْرَةِ ، فَإِذَا قَوَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ أَقْدَرَهُ عَلَى حَمْلِ أَعْبَاءِ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ .
قَالَ
الْحَافِظُ : «وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ مَا يُؤَيِّدُ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِيهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=883494«وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا» . وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابْنُ خُزَيْمَةَ - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ فَزَايٍ مَفْتُوحَةٍ . مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ ، وَمِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ . فَإِذَا جَازَتِ الرُّؤْيَةُ فِي الدُّنْيَا .
[ ص: 57 ]
عَقْلًا ، فَقَدِ امْتَنَعَتْ سَمْعًا . لَكِنْ مَنْ أَثْبَتَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ» .
قَالَ
الْقَاضِي : «وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى مَنْعِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الْأَنْعَامُ : 103] لِاخْتِلَافِ التَّأْوِيلَاتِ فِي الْآيَةِ ، فَقَدْ قِيلَ : الْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ الْإِحَاطَةُ ، فَلَا نَفْيَ فِيهَا لِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ ، وَقِيلَ : لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْكُفَّارِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ : أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا النَّفْيِ عَلَى عُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَلَا حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ . فَمِنْ أَيْنَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَلَا حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ؟ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى النَّفْيِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَارِ الدُّنْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ» .
وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ : «الْأَبْصَارُ» جَمْعٌ مُحَلًّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ، فَيَقْبَلُ التَّخْصِيصَ ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ سَمْعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [الْمُطَفِّفِينَ : 15] فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْكُفَّارُ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=23إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [الْقِيَامَةُ : 22 ، 23] قَالَ : فَإِذَا جَازَتْ فِي الْآخِرَةِ جَازَتْ فِي الدُّنْيَا لِتَسَاوِي الْوَقْتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّائِي» انْتَهَى .
قَالَ
الْحَافِظُ : «وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ جَيِّدٌ» .
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ إِمْكَانِ الرُّؤْيَةِ ، إِذْ لَوِ امْتَنَعَتِ الرُّؤْيَةُ لَمَا حَصَلَ التَّمَدُّحُ فِي الْآيَةِ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ ، وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مُنْتَفٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ ، فَلَا يَكُونُ نَفْيُهُ صِفَةَ مَدْحٍ ، لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ كَالْمَعْدُومِ الْمُمْتَنِعِ الرُّؤْيَةِ ، لَا يُمْدَحُ بِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ ، إِذْ لَا يَكُونُ : «الْمَعْدُومُ لَا يُرَى» تَمَدُّحًا ، لِامْتِنَاعِ رُؤْيَةِ الْمَعْدُومِ . وَقَدْ ثَبَتَ التَّمَدُّحُ بِنَفْيِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فَتَكُونُ رُؤْيَتُهُ مُمْكِنَةٌ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّمَدُّحَ بِنَفْيِ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي إِمْكَانِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ لَا يُرَى لِلِامْتِنَاعِ وَتَعَذُّرِ الْإِبْصَارِ وَالتَّحَجُّبِ بِحِجَابِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْجَلَالِ لَا فِي أَنَّهُ لَا يُرَى لِامْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى .
لَكِنَّ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةَ عَلَى هَذَا ، صِفَاتُ تَمَدُّحٍ ، وَإِنْ جَعَلْنَا الْإِدْرَاكَ فِي الْآيَةِ عِبَارَةً عَنِ الرُّؤْيَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ بِجَوَانِبِ الْمَرْئِيِّ وَحُدُودِهِ . فَدَلَالَةُ الْآيَةِ حِينَئِذٍ عَلَى جَوَازِ الرُّؤْيَةِ بَلْ عَلَى تَحَقُّقِهَا بِالْوُقُوعِ ، أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْجَوَازِ بِمَا ذُكِرَ مِنَ التَّمَدُّحِ . إِذِ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، إِذْ نَظَرْتَ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ ، لِأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، مَعَ كَوْنِهِ مَرْئِيًّا بِالْأَبْصَارِ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ عَلَى وَجْهِ الْإِحَاطَةِ ، لِتَعَالِيهِ قَطْعًا عَنِ التَّنَاهِي وَعَنِ الِاتِّصَافِ بِالْحُدُودِ الَّتِي هِيَ النِّهَايَاتُ وَالْجَوَانِبُ عَلَى مَا تَبَيَّنَ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ .
وَالْإِحَاطَةُ بِمَا لَا يَتَنَاهَى مُحَالٌ . وَلِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ يَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا . وَمَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا فِي الدُّنْيَا ، لَمْ يَحْصُلْ لِبَشَرٍ غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى مَا فِي
[ ص: 58 ]
ذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ ، وَمَنِ ادَّعَاهَا غَيْرُهُ فَهُوَ ضَالٌّ . كَمَا جَزَمَ بِكُفْرِهِ الْإِمَامُ
مُوَفَّقُ الدِّينِ الْكَوَاشِيُّ - بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ وَبِالْمُعْجَمَةِ-
وَالْإِمَامُ الْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا ، وَالْإِمَامُ
جَمَالُ الدِّينِ الْأَرْدُبِيلِيُّ - بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ- فِي كِتَابِ «الْأَنْوَارِ» إِذْ قَدْ سَأَلَهَا نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِيمُهُ
مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ ، أَفَتَحْصُلُ لِآحَادِ النَّاسِ؟ هَذَا مِمَّا يُتَوَقَّفُ فِيهِ .
فَصْلٌ : وَإِذَا عُلِمَ مَا تَقَرَّرَ فَفِي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مَذْهَبَانِ :
فَنَفَتْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ . وَبَالَغَ الْحَافِظُ
عُثْمَانُ عَنْ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ ، فَنَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ رَآهُ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17124مَعْمَرٍ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إِثْبَاتَهَا ، وَكَانَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ إِنْكَارُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ لَهَا . وَبِهِ قَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ جَزَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبُ الْأَحْبَارِ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزُّهْرِيُّ وَمَعْمَرٌ وَآخَرُونَ . وَبِهِ قَالَ
الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَغَالِبُ أَتْبَاعِهِ . وَجَنَحَ
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابْنُ خُزَيْمَةَ إِلَى تَرْجِيحِهِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ . ثُمَّ اخْتَلَفُوا :
[ ص: 59 ] هَلْ رَآهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ؟ وَالْقَوْلَانِ رُوِيَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ . وَقَالَ
الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ : الرَّاجِحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِأَشْيَاءَ نُوَزِّعُ فِي بَعْضِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي ذِكْرِ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ .
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى الْوَقْفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَجْزِمُوا بِنَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ ، وَرَجَّحَ ذَلِكَ الْإِمَامُ
أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ ، وَعَزَاهُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَابِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ . وَغَالِبُ مَا اسْتَدَلَّتْ بِهِ الطَّائِفَتَانِ ظَوَاهِرُ مُتَعَارِضَةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ . قَالَ :
وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ التَّعْظِيمَاتِ فَيُكْتَفى فِيهَا بِالدَّلَالَةِ الظَّنِّيَّةِ ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ فَلَا يُكْتَفَى فِيهَا إِلَّا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ .
وَقَالَ
السُّبْكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ : «لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ قَاطِعًا مُتَوَاتِرًا بَلْ مَتَى كَانَ حَدِيثًا صَحِيحًا وَلَوْ ظَاهِرًا وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْآحَادِ ، جَازَ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَطْعُ ، عَلَى أَنَّا لَسْنَا مُكَلَّفِينَ بِذَلِكَ» . انْتَهَى .
وَقَالَ
الْقَاضِي فِي الشِّفَاءِ وَغَيْرِهِ «لَا مِرْيَةَ فِي الْجَوَازِ ، إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَاتِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الْأَنْعَامُ : 103] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=143لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الْأَعْرَافُ : 143] نَصٌّ فِي الْمَنْعِ لِلرُّؤْيَةِ ، بَلْ هِيَ مُشِيرَةٌ لِلْجَوَازِ كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ . وَأَمَّا وُجُوبُ وُقُوعِهَا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ ، فَلَيْسَ فِيهِ قَاطِعٌ أَيْضًا وَلَا نَصٌّ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، إِذِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِيهِ عَلَى آيَتَيِ النَّجْمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النَّجْمُ : 11] وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النَّجْمُ : 17] . وَالتَّنَازُعُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِيهِمَا مَأْثُورٌ ، وَالِاحْتِمَالُ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهُمَا عَلَى الرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهَا مُمْكِنٌ ، لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِمَا بِهَا ، لَا أَثَرَ قَاطِعٌ مُتَوَاتِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ . وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِفُؤَادِهِ إِنَّمَا نَشَأَ عَنِ اعْتِقَادٍ لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُعْتَبَرَ فَيَجِبَ الْعَمَلُ بِاعْتِقَادِ مُضَمِّنِهِ مِنْ رُؤْيَتِهِ رَبَّهُ . وَمِثْلُهُ حَدِيثُ
شَرِيكٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=939856وَحَدِيثُ nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٍ : «رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ، مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ . وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=1584أَبِي ذَرٍّ مُخْتَلِفٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ رَآهُ أَوْ لَمْ يَرَهُ ، مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ جَعَلَ ذَاتَهَ نُورًا ، فَرُوِيَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=890788«نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ- أَيْ نُورًا لَنْ أَرَاهُ ، أَيْ لِجَرْيِ الْعَادَةِ بِأَنَّ النُّورَ إِذَا غَشَى الْبَصَرَ حَجَبَهُ فِي رُؤْيَتِهِ لِمَا وَرَاءَهُ ، وَرُوِيَ :
«نُورَانِيٌّ ، أَيْ بِكَسْرِ النُّونِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ» .
[ ص: 60 ]
قَالَ
الْقَاضِي : «وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ تَقَعْ لَنَا ، وَلَا رَأَيْتُهَا فِي أَصْلٍ مِنَ الْأُصُولِ ، وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ تَعَالَى نُورًا ، إِذِ النُّورُ جِسْمٌ يَتَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ تَسْمِيَتُهُ نُورًا بِمَعْنَى ذِي النُّورِ أَوْ خَالِقِهِ . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657270سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «رَأَيْتُ نُورًا» .
وَلَيْسَ يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِإِفْصَاحِهِمَا بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ ، فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ «رَأَيْتُ نُورًا» ، فَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَإِنَّمَا رَأَى نُورًا مَنَعَهُ وَحَجَبَهُ عَنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَإِلَى قَوْلِهِ : «رَأَيْتُ نُورًا» يَرْجِعُ قَوْلُهُ : «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» ، أَيْ كَيْفَ أَرَاهُ مَعَ كَوْنِ حِجَابِهِ النُّورَ الْمُغَشِّي لِلْبَصَرِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِثْلُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى : حِجَابُهُ النُّورُ ، كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ . وَقَالَ أَيْضًا فِي الْإِكْمَالِ : وَقَفَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي هَذَا . وَقَالَ : لَيْسَ هَذَا عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ ، وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ ، وَرُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا جَائِزَةٌ .