التنبيه الرابع والخمسون :
إن السنة الثامنة اشتملت على فتح وجه مناسبة المعراج الثامن إلى سدرة المنتهى لما اشتملت عليه السنة الثامنة من الهجرة . مكة ، ومكة أم القرى وإليها المنتهى ومنها المبتدأ ، على ما ورد أن الأرض كلها دحيت من مكة ، فلذلك سميت أم القرى ، أو هي أم القرى لأن أهل القرى يرجعون إليها في الدين والدنيا حجا واعتمارا وجوارا وكسبا واتجارا قال الله تعالى : جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس [المائدة : 97] أي تقوم بأبدانهم وأديانهم . وقال تعالى ليشهدوا منافع لهم [الحج 28] قيل هي الأجر والتجارات في الموسم . فبين سدرة المنتهى وأم القرى من المناسبة ما لا يخفى ، إذ سدرة المنتهى ينتهي إليها علم الخلائق ، ومكة ينتهي إليها أهل الآفاق شرقا وغربا وفيها يكون الاجتماع . فكان بلوغه إلى سدرة المنتهى تنبيها على بلوغه إلى فتح مكة أم القرى في العام [ ص: 136 ] الثامن ، وقد غشي السدرة الجراد والفراش والغربان الذي هو جند من جند الله كما غشي مكة في الفتح جند الله وحزبه وغشيها أيضا أجناس من الخلق وألوان من الأسود والأحمر . وجاء اللفظان معا في الحديث ، كما غشي سدرة المنتهى ألوان لا يعلمها إلا الله تعالى : فلما غشيت الألوان السدرة حسنت إلى أن لا يحسن أحد أن ينعتها لفرط الحسن . كما أن ألوان الخلق لما غشيت مكة يوم الفتح حسنت حينئذ بالإيمان وبأهل القرآن حتى لا يحسن أحد أن يصف حالها حينئذ من عظم الشأن .
ثم كان ظهور الأنهار الأربعة حينئذ دليلا على أن تلك الأمة ستبلغها ويحققه أيضا
قوله صلى الله عليه وسلم : . «زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها»