التنبيه التسعون :
قال ابن أبي جمرة : إبراهيم عليه السلام لم يكلم المصطفى في طلب التخفيف أن مقام الخلة إنما هو الرضى والتسليم ، والكلام في هذا الشأن ينافي ذلك المقام . «الحكمة في كون وموسى هو الكليم ، والكليم أعطي الإدلال والانبساط» . وقال القرطبي :
«الحكمة في تخصيص موسى عليه الصلاة والسلام بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلاة ، لعلها لكون أمة موسى كلفت من الصلوات ما لم يكلف به غيرها من الأمم فثقلت عليهم فأشفق موسى على أمة محمد- عليهما الصلاة والسلام- من مثل ذلك ويشير إلى ذلك قول موسى :
«إني قد جربت الناس قبلك» .
وقال غيره : لعلها من جهة أنه ليس في الأنبياء من له أتباع أكثر من موسى ، ولا من له كتاب أكبر ولا أجمع للأحكام من كتابه ، فكان من هذه الجهة مضاهيا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فناسب أن يتمنى أن يكون له مثل ما أنعم به عليه من غير أن يريد زواله عنه ، وناسب أن يطلعه على ما وقع له وينصحه فيما يتعلق به . ويحتمل أن موسى عليه السلام لما غلب عليه في الابتداء الأسف على نقص حظ أمته بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى تمنى ما تمنى أن يكون منهم ، استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم والشفقة عليهم ليزيل ما عساه أن يتوهم عليه مما وقع منه في الابتداء ، والعلم عند الله تعالى .
قال القرطبي : «وأما قول من قال إنه أول من لقيه بعد الهبوط فليس بصحيح ، لأن حديث مالك بن صعصعة أنه رآه في السادسة وإبراهيم في السابعة ، وهو أقوى إسنادا من حديث شريك الذي فيه أنه رأى موسى في السابعة» . قال الحافظ : «إذا جمعنا بينهما بأنه لقيه في الصعود في السادسة ، وصعد موسى معه إلى السابعة فلقيه فيها بعد الهبوط ارتفع الإشكال وبطل الرد» .
قال السهيلي : «وأما موسى عليه السلام بهذه الأمة وإلحاحه على نبيها أن يشفع . [ ص: 147 ] اعتناء
لها ويسأل التخفيف عنها فلقوله- والله أعلم- حين قضي إليه الأمر بجانب القربى ورأى صفات أمة محمد عليه السلام في الألواح وجعل يقول : إني أجد في الألواح أمة صفتهم كذا :
اللهم اجعلهم أمتي . فيقال له : تلك أمة محمد . قال : اللهم اجعلني من أمة محمد ، وهو حديث مشهور في التفاسير . فكان إشفاقه عليهم واعتناؤه بأمرهم يعتني بالقوم من هو منهم لقوله : اللهم اجعلني منهم» .