[ ص: 144 ] وممن توفي فيها من الأعيان : 
إسحاق بن محمد أبو يعقوب النهرجوري   
أحد مشايخ الصوفية  ، صحب  الجنيد بن محمد  وغيره من أئمة القوم ، وجاور بمكة  حتى مات بها . 
ومن كلامه الحسن قوله : مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب . 
الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان  ، أبو عبد الله الضبي القاضي المحاملي 
 الفقيه الشافعي المحدث ، سمع الكثير ، وأدرك خلقا من أصحاب ابن عيينة  نحوا من سبعين رجلا ، وروى عن جماعة من الأئمة ، وعنه  الدارقطني  وخلق ، وكان يحضر مجلسه نحو من عشرة آلاف ، وكان صدوقا دينا فقيها محدثا ، ولي قضاء الكوفة  ستين سنة ، وأضيف إليه قضاء فارس  وأعمالها ، ثم استعفى من ذلك كله ، ولزم منزله ، واقتصر على إسماع الحديث . وكانت وفاته في ربيع الآخر من هذه السنة عن خمس وتسعين سنة ، رحمه الله . 
وقد تناظر هو وبعض الشيعة  بحضرة بعض الأكابر ، فجعل الشيعي يذكر مواقف علي يوم بدر  وأحد  والخندق  وخيبر  وحنين  وشجاعته ، ثم قال للمحاملي    : أتعرفها ؟ قال : نعم ، ولكن أتعرف أين كان الصديق  يوم بدر  ؟ كان   [ ص: 145 ] مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش  بمنزلة الرئيس الذي يحامى عنه كما يحامى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلي  في مقام المبارزة ، ولو فرض أنه انهزم أو قتل ، لم يهزم الجيش بسببه ، فأفحم الشيعي . وقال له المحاملي    : وقد قدمه الذين رووا لنا الصلاة والزكاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث لا مال له ولا عبيد ولا عشيرة تمنعه وتحاجف عنه ، وإنما قدموه لعلمهم أنه خيرهم ، فأفحم أيضا . 
علي بن محمد بن سهل أبو الحسن الصائغ   
أحد العباد الزهاد أصحاب الكرامات . روي عن ممشاد الدينوري  أنه شاهد أبا الحسن الصائغ  يصلي في الصحراء في شدة الحر ، ونسر قد نشر جناحيه يظله من الحر . 
قال  ابن الأثير    : وفيها توفي علي بن إسماعيل الأشعري  المتكلم صاحب المذهب المشهور ، وكان مولده سنة ستين ومائتين ، وهو من ولد  أبي موسى الأشعري    . 
قلت : والصحيح أن الأشعري  توفي سنة أربع وعشرين ، كما تقدم . 
قال : وفيها توفي محمد بن يوسف بن النضر الهروي  الفقيه الشافعي ،   [ ص: 146 ] وكان مولده سنة تسع وعشرين ومائتين ، وأخذ عن الربيع بن سليمان  صاحب  الشافعي    . 
قلت : وقد توفي فيها أبو حامد بن بلال  ، وزكريا بن أحمد البلخي  ،  وعبد الغافر بن سلامة  الحافظ ،  ومحمد بن رائق  الأمير ،  والشيخ أبو صالح مفلح الحنبلي  ، واقف مسجد أبي صالح  ظاهر باب شرقي من دمشق  وكانت له كرامات وأحوال ومقامات . 
وهذه ترجمة أبي صالح الدمشقي  الذي ينسب إليه المسجد ظاهر باب شرقي بدمشق    : 
مفلح بن عبد الله أبو صالح   المتعبد ، صحب الشيخ أبا بكر محمد بن سيد حمدويه الدمشقي  ، وتأدب به ، وروى عنه الموحد بن إسحاق بن البري  ، وأبو الحسن علي بن القجة  قيم المسجد ، وأبو بكر بن داود الدينوري الدقي    . 
 [ ص: 147 ] روى الحافظ  ابن عساكر  من طريق الدقي  ، عن الشيخ أبي صالح  قال : كنت أطوف بجبل اللكام    ; أطلب الزهاد ، فمررت برجل وهو جالس على صخرة مطرقا ، فقلت له : ما تصنع هاهنا ؟ فقال : أنظر وأرعى . فقلت له : لا أرى بين يديك إلا الحجارة . فقال : أنظر خواطر قلبي ، وأرعى أوامر ربي ، وبحق الذي أظهرك علي إلا جزت عني . فقلت له : كلمني بشيء أنتفع به حتى أمضي . فقال لي : من لزم الباب أثبت في الخدم ، ومن أكثر ذكر الذنوب أكثر الندم ، ومن استغنى بالله أمن العدم . ثم تركني ومضى . 
وعن الشيخ أبي صالح  ، قال : مكثت ستة أو سبعة أيام لم آكل ولم أشرب ، ولحقني عطش عظيم ، فجئت النهر الذي وراء المسجد ، فجلست أنظر إلى الماء ، فتذكرت قوله تعالى : وكان عرشه على الماء    [ هود : 7 ] فذهب عني العطش ، فمكثت تمام العشرة أيام . 
وعنه قال : مكثت مرة أربعين يوما لم أشرب ماء ، فلقيني الشيخ أبو بكر محمد بن سيد حمدويه  ، فأخذ بيدي وأدخلني منزله ، وجاءني بماء ، وقال لي : اشرب ، فشربت ، فأخذ فضلتي وذهب إلى امرأته ، وقال لها : اشربي فضل رجل قد مكث أربعين يوما لم يشرب الماء . قال أبو صالح    : ولم يكن اطلع على ذلك مني أحد إلا الله عز وجل . 
 [ ص: 148 ] ومن كلام أبي صالح    : الدنيا حرام على القلوب ، حلال على النفوس ; لأن كل شيء يحل لك أن تنظر إليه بعين رأسك ، فيحرم عليك أن تنظر إليه بعين قلبك . 
وكان يقول : البدن لباس القلب ، والقلب لباس الفؤاد ، والفؤاد لباس الضمير ، والضمير لباس السر ، والسر لباس المعرفة . 
ولأبي صالح  مناقب كثيرة ، رحمه الله . وقد كانت وفاته في جمادى الأولى من هذه السنة . 
				
						
						
