[ ص: 149 ] ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة
في هذه السنة دخل سيف الدولة إلى واسط وقد انهزم عنها أبو عبد الله البريدي وأخوه أبو الحسين ، ثم اختلف الترك على سيف الدولة ومالوا إلى توزون وهم بالقبض على سيف الدولة ، فهرب منهم قاصدا إلى بغداد وبلغ أخاه ناصر الدولة أبا محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان الملقب بأمير الأمراء ببغداد الخبر ، فخرج من بغداد إلى الموصل فنهبت داره ببغداد ، وكانت إمارة ناصر الدولة على بغداد ثلاثة عشر شهرا وخمسة أيام ، وجاء أخوه سيف الدولة بعد خروجه منها ، فنزل بباب حرب ، وطلب من الخليفة المتقي لله أن يمده بمال يتقوى به على حرب توزون فبعث إليه بأربعمائة ألف درهم ، ففرقها في أصحابه . وحين سمع بقدوم توزون خرج من بغداد ودخلها توزون في الخامس والعشرين من رمضان ، فخلع عليه الخليفة ، وجعله أمير الأمراء ، واستقر أمره ببغداد ، وعند ذلك رجع أبو عبد الله البريدي إلى واسط وأخرج من كان بها من أصحاب توزون وكان في أسر توزون غلام لسيف الدولة يقال له : ثمال . فأرسله إلى مولاه ، فحسن موقع ذلك عند آل حمدان .
[ ص: 150 ] وفيها كانت زلزلة عظيمة ببلاد نسا سقط منها عمارات كثيرة ، وهلك بسببها خلق كثير .
قال ابن الجوزي : وكان ببغداد في أيلول وتشرين حر شديد يأخذ بالأنفاس ، وفي صفر ورد الخبر بورود الروم إلى أرزن وميافارقين ، وأنهم سبوا وأحرقوا .
وفي ربيع الآخر من هذه السنة عقد عقد أبي منصور إسحاق بن الخليفة المتقي لله على علوية بنت ناصر الدولة بن محمد بن حمدان ، على صداق مائة ألف دينار وألف ألف درهم ، وولي العقد على الجارية أبو عبد الله محمد بن أبي موسى الهاشمي ، ولم يحضر ناصر الدولة . وضرب ناصر الدولة سكة ، زاد في الكتابة عليها : عبد آل محمد .
قال ابن الجوزي : وفي آذار من هذه السنة غلت الأسعار حتى أكل الناس الكلاب ، ووقع الوباء في الناس ، ووافى من الجراد شيء كثير جدا ، حتى بيع منه كل خمسين رطلا بدرهم ، فارتفق الناس به في الغلاء .
وفيها ورد كتاب ملك الروم إلى الخليفة يطلب فيه منديلا بكنيسة الرها كان المسيح قد مسح وجهه به ، فصارت صورة وجهه فيه ، ويعد المسلمين أنه إذا أرسل إليه يبعث من أسارى المسلمين خلقا كثيرا ، فأحضر الخليفة العلماء فاستشارهم في ذلك ; فمن قائل : نحن أحق بعيسى منهم ، وفي بعثه إليهم [ ص: 151 ] غضاضة على المسلمين ووهن . فقال علي بن عيسى الوزير : يا أمير المؤمنين ، إنقاذ أسارى المسلمين من أيدي الكفار خير وأنفع للناس من بقاء ذلك المنديل بتلك الكنيسة ، فأمر الخليفة بإرسال ذلك المنديل إليهم ، وتخليص الأسارى من أيديهم .
قال الصولي : ووصل الخبر بأن القرمطي ولد له مولود ، فأهدى إليه أبو عبد الله البريدي هدايا عظيمة ، منها مهد من ذهب ، مرصع بالجوهر . وكثر الرفض ببغداد ، فنودي بها : من ذكر أحدا من الصحابة بسوء فقد برئت منه الذمة .
وبعث الخليفة إلى خلعا ، فقبلها ولبسها بحضرة القضاة والأعيان . عماد الدولة بن بويه
وفيها كانت وفاة السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني صاحب خراسان وما وراء النهر ، وقد مرض قبل موته بالسل سنة وشهرا ، واتخذ في داره بيتا سماه بيت العبادة ، فكان يلبس ثيابا نظافا ، ويمشي إليه حافيا ، ويصلي فيه ، ويتضرع ويكثر الصلاة ، وكان يجتنب المنكرات والآثام إلى أن مات ، رحمه الله ، فقام بالأمر من بعده ولده ولقب بالأمير الحميد ، فقتل نوح بن نصر الساماني محمد بن أحمد النسفي - وكان قد طعن فيه عنده - وصلبه .