[ ص: 161 ] ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة
فيها المتقي إلى بغداد وخلع من الخلافة وسملت عيناه . كان رجع الخليفة المتقي وهو مقيم بالموصل قد أرسل إلى الإخشيد محمد بن طغج صاحب الديار المصرية والبلاد الشامية ، فأقبل إليه وقدم عليه في المنتصف من المحرم من هذه السنة ، وخضع للخليفة غاية الخضوع ، وكان يقوم بين يديه كما يقوم الغلمان ، ويمشي والخليفة راكب ، ثم عرض عليه أن يسير معه إلى الديار المصرية ، أو يقيم ببلاد الشام فأبى عليه ذلك ، فأشار عليه بالمقام بمكانه الذي هو فيه ، ولا يذهب إلى توزون ببغداد ، وحذره من توزون ومكره وخديعته ، فلم يقبل ، وكذلك أشار على الوزير أبي حسين بن مقلة فلم يسمع ، فأهدى ابن طغج للخليفة هدايا كثيرة فاخرة ، وكذلك إلى الأمراء والكبراء والوزير ، ثم كر راجعا إلى بلاده . وقد اجتاز بحلب ، فانحاز عنها صاحبها أبو عبد الله بن سعيد بن حمدان ، وكان ابن مقاتل بها ، فأرسله إلى الديار المصرية نائبا عنه حتى يعود إليها .
[ ص: 162 ] وأما الخليفة فإنه ركب من الرقة في دجلة إلى بغداد وأرسل إلى توزون فاستوثق منه ما كان حلف له من الأيمان ، فأكدها وقررها ، فلما اقترب منها خرج إليه توزون ومعه العساكر ، فلما رأى الخليفة قبل الأرض بين يديه ، وأظهر له أنه قد وفى له بما كان حلف عليه ، وأنزله في مضربه ، ثم جاء فاحتاط على من معه من الكبراء ، وأمر بسمل عيني الخليفة فسملت عيناه ، فصاح صيحة عظيمة سمعها الحرم ، فضجت الأصوات بالبكاء ، فأمر توزون بضرب الدبادب ; حتى لا تسمع أصوات الحرم ، ثم انحدر من فوره إلى بغداد فبايع للمستكفي بالله ، فكانت خلافة المتقي لله ثلاث سنين وخمسة أشهر وعشرين يوما ، وقيل : وأحد عشر شهرا . وستأتي ترجمته عند ذكر وفاته .