[ ص: 734 ] ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة 
في يوم الخميس لثمان بقين من المحرم عقد عقد الخليفة على خديجة بنت أخي السلطان طغرلبك   وقيل : ابنة أخيه داود  ، واسمها خديجة  ، الملقبة أرسلان خاتون  ، على صداق مائة ألف دينار ، وحضر هذا العقد عميد الملك الكندري  وزير طغرلبك  ، ونقيب العلويين  ، ونقيب الهاشميين  ، وقاضي القضاة الدامغاني  ، وأقضى القضاة  الماوردي  ، ورئيس الرؤساء ابن المسلمة  وهو الذي خطب الخطبة ، وقبل الخليفة العقد ، فلما كان شعبان ذهب رئيس الرؤساء إلى الملك طغرلبك  وقال : يقول لك أمير المؤمنين : قال الله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها    [ النساء : 58 ] . وقد أذن في نقل الوديعة الكريمة إلى داره العزيزة . فقال : السمع والطاعة . فذهبت أم الخليفة إلى دار المملكة لاستدعاء العروس ، فجاءت معها ، وفي خدمتها الوزير عميد الملك  والحشم ، فدخلوا داره ، وشافه الخليفة ابن عمها يسأل معاملتها باللطف والإحسان ، فلما دخلت عليه قبلت الأرض بين يديه مرارا ، فأدناها إليه ، وأجلسها إلى جانبه ، وأفاض عليها خلعة سنية وتاجا من جوهر ، وأعطاها من   [ ص: 735 ] الغد مائة ثوب ديباجا ، وقصبات من ذهب ، وطاسة ذهب قد نبت فيها الجوهر والياقوت والفيروزج ، وأقطعها في كل سنة من عمل الفرات اثني عشر ألف دينار . 
وفي هذه السنة أمر السلطان طغرلبك  ببناء دار الملك العضدية  ، فخربت محال كثيرة في عمارتها ، ونهبت العامة أخشابا كثيرة بسببها من دور الأتراك  والجانب الغربي ، وباعوه على الخبازين وغيرهم . 
وفي هذه السنة وقع غلاء شديد وخوف ونهب كثير ببغداد  ، ثم عقب ذلك فناء عظيم بحيث دفن كثير من الناس بغير غسل ولا تكفين ، وغلت الأشربة وما يحتاج إليه المرضى كثيرا ، واغبر الجو ، وفسد الهواء ، وكثر الذباب . قال  ابن الجوزي  في " منتظمه " : وعم هذا الوباء والغلاء مكة  والحجاز وديار بكر والموصل  وبلاد الروم  وخراسان والجبال  والدنيا كلها . هذا لفظه في " المنتظم " . قال : وورد كتاب من مصر  أن ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور ، فوجدوا عند الصباح موتى ; أحدهم على باب النقب ، والثاني على رأس الدرجة ، والثالث على الثياب المكورة . 
وفيها أمر رئيس الرؤساء بأن تنصب أعلام سود في الكرخ  ، فانزعج أهله لذلك ، وكان كثير الأذية للرافضة  ، وإنما كان يدافع عنهم عميد الملك   [ ص: 736 ] الكندري وزير طغرلبك    . 
وفيها هبت ريح شديدة ، وارتفعت سحابة ترابية ، فأظلمت الدنيا ، واحتاج الناس في الأسواق إلى السرج في النهار . 
قال  ابن الجوزي  في " المنتظم " وفيها في العشر الثاني من جمادى الآخرة ظهر وقت السحر نجم له ذؤابة طولها في رأي العين نحو من عشرة أذرع ، وفي عرض نحو الذراع ، ولبث على هذه الحال إلى النصف من رجب ثم اضمحل ، وكانوا يقولون : إنه طلع مثل هذا بمصر فملكت . وكذلك بغداد  لما طلع فيها هذا ملكت وخطب بها للمصريين . 
وفيها ألزم الروافض  بترك الأذان بحي على خير العمل ، وأمروا أن ينادي المؤذنون في الصبح بعد الحيعلتين : الصلاة خير من النوم ، مرتين ، وأزيل ما كان على أبواب مساجدهم ومشاهدهم وأبوابهم من كتابة : محمد  وعلي  خير البشر . ودخل المنشدون من باب البصرة  إلى الكرخ  ، فأنشدوا بفضائل الصحابة في مدائح لهم ، وذلك أن النوء الأول اضمحل ; كانت بنو بويه  تقويهم وتنصرهم ، فزالوا وبادوا ، وأذهب الله دولتهم ، وجاء الله بقوم آخرين من الأتراك السلجوقية  يحبون السنة ويوالون أهلها ، ويعترفون برفعة قدرها ، ويرفعون محلها ، والله المحمود أبدا على طول المدى . 
وأمر رئيس الرؤساء وزير الخلافة للوالي بقتل أبي عبد الله بن الجلاب  شيخ البزازين بباب الطاق    ; لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض ، فقتل وصلب على باب دكانه ، وهرب  أبو جعفر الطوسي  ونهبت داره ، ولله الحمد والمنة . 
 [ ص: 737 ] وفيها جاء البساسيري    - قبحه الله - إلى الموصل  ومعه نور الدولة دبيس ، في جيش كثيف ، فاقتتل مع صاحبها قريش  ونصره قتلمش  ابن عم طغرلبك  وهو جد ملوك الروم  ، فهزمهما البساسيري  ، وأخذ البلد قهرا ، فخطب بها للمصريين  الفاطميين  ، وأخرج كاتبه من السجن - وكان قد أظهر الإسلام ظنا منه أن ذلك ينفعه ، فلم ينفعه ، فقتل - وكذلك خطب للمصريين  في هذه السنة بالكوفة  وواسط وغيرهما من البلاد ، وعزم طغرلبك  الملك على المسير إلى الموصل  لمناجزة البساسيري  ، فنهاه الخليفة عن الخروج ، ذلك لضيق الحال وغلاء الأسعار ، فلم يقبل ، فخرج بجيشه قاصدا الموصل  في جحفل عظيمة ، ومعه الفيلة والمنجنيقات ، وكان جيشه لكثرتهم ينهبون القرى ، وربما سطوا على بعض الحريم ، فكتب الخليفة إلى السلطان ينهاه عن ذلك ، فبعث يعتذر بكثرة من معه ، واتفق أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فسلم عليه ، فأعرض عنه ، وقال له : يحكمك الله في البلاد ، ثم لا ترفق بخلقه ولا تخاف من جلال الله عز وجل ؟! فاستيقظ مذعورا ، وأمر وزيره أن ينادي في الجيش بالعدل ، وأن لا يظلم أحد أحدا . ولما اقترب من الموصل  فتح دونها بلادا ، ثم فتحها وسلمها إلى أخيه داود ، ثم سار منها إلى بلاد بكر ، ففتح أماكن كثيرة هنالك . 
وفيها ظهرت دولة الملثمين  ببلاد المغرب  ، وأظهروا إعزاز الدين وكلمة الحق ، واستولوا على بلاد كثيرة بالمغرب ، منها سجلماسة  وأعمالها والسوس ، وقتلوا خلقا كثيرا من أهلها ، وأول ملوك الملثمين رجل يقال له : أبو بكر بن عمر . وقد أقام بسجلماسة إلى أن توفي سنة ثنتين وستين كما سيأتي بيانه ، وولي   [ ص: 738 ] بعده أبو نصر يوسف بن تاشفين  وتلقب بأمير المؤمنين ، وقوي أمره ، وعلا قدره ببلاد المغرب    . 
وفيها ألزم أهل الذمة  بلبس الغيار ببغداد  عن أمر السلطان طغرلبك  ، بيض الله وجهه . 
وفيها ولد لذخيرة الدين    - بعد موته ، من جارية له - ولد ذكر ، وهو أبو القاسم عبد الله المقتدي بأمر الله    . 
وفيها كان الغلاء والفناء مستمرين ببغداد  وغيرها من البلاد على ما كان عليه الأمر في السنة الماضية . 
ولم يحج أحد من أهل  العراق في هذه السنة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					