قال وصول خبر مصاب أهل ابن إسحاق : وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي ، فقالوا له : ما وراءك ؟ قال : قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو الحكم بن هشام ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام . فلما جعل يعدد أشراف قريش ، قال صفوان بن أمية : والله إن يعقل هذا ، فسلوه عني . فقالوا : ما فعل صفوان بن أمية ؟ قال : هو ذاك جالسا في الحجر ، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا .
قال ولما وصل الخبر إلى موسى بن عقبة : أهل مكة وتحققوه قطعت النساء شعورهن ، وعقرت خيول كثيرة ورواحل .
وذكر السهيلي عن كتاب " الدلائل " لقاسم بن ثابت أنه قال : لما كانت وقعة بدر سمع أهل مكة هاتفا من الجن يقول : [ ص: 197 ]
أزار الحنيفيون بدرا وقيعة سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤي وأبرزت
خرائد يضربن الترائب حسرا فيا ويح من أمسى عدو محمد
لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا
قال يونس ، عن ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت لا تمر على مكان أبي لهب هذا إلا تسترت بثوبها حتى تجوز .
قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد ، عن أبيه قال : قريش على قتلاهم ، ثم قالوا لا تفعلوا فيبلغ ناحت محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم ، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء .
قلت : وكان هذا من تمام ما عذب الله به أحياءهم في ذلك الوقت ، وهو تركهم النوح على قتلاهم ، فإن البكاء على الميت مما يبل فؤاد الحزين .
قال ابن إسحاق : وكان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده ، [ ص: 200 ] زمعة ، وعقيل ، والحارث ، وكان يحب أن يبكي على بنيه . قال : فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل ، فقال لغلام له ، وكان قد ذهب بصره : انظر هل أحل النحب ؟ هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة - يعني ولده زمعة - فإن جوفي قد احترق . قال : فلما رجع إليه الغلام قال : إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته . قال : فذاك حين يقول الأسود :
أتبكي أن أضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكي على بكر ولكن على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بني هصيص ومخزوم ورهط أبي الوليد
وبكي إن بكيت على عقيل وبكي حارثا أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمي جميعا وما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال ولولا يوم بدر لم يسودوا