الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وفرغ الناس لقتلاهم ، فحدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني ، أخو بني النجار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع ؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا ، فنظر فوجده جريحا في القتلى وبه رمق ، قال : فقلت له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر ، أفي الأحياء أنت أم [ ص: 424 ] في الأموات . فقال : إنا في الأموات ، فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام ، وقل له : إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته . وأبلغ قومك عني السلام ، وقل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ، ومنكم عين تطرف . قال : ثم لم أبرح حتى مات . قال : فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كان الرجل الذي التمس سعدا في القتلى محمد بن مسلمة فيما ذكره محمد بن عمر الواقدي ، وذكر أنه ناداه مرتين فلم يجبه ، فلما قال : إن رسول الله أمرني أن أنظر خبرك . أجابه بصوت ضعيف ، وذكره . وقال الشيخ أبو عمر في " الاستيعاب " : كان الرجل الذي التمس سعدا أبي بن كعب . فالله أعلم . وكان سعد بن الربيع من النقباء ليلة العقبة رضي الله عنه ، وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادي ، قد بقر بطنه عن كبده ، ومثل به ; [ ص: 425 ] فجدع أنفه وأذناه ، فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى : لولا أن تحزن صفية وتكون سنة من بعدي ، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم . فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيظه على من فعل بعمه ما فعل ، قالوا : والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن محمد بن كعب وحدثني من لا أتهم ، عن ابن عباس أن الله عز وجل أنزل في ذلك : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله الآية . [ النحل : 127 ، 126 ] قال : فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : هذه الآية مكية ، وقصة أحد بعد الهجرة بثلاث سنين ، فكيف يلتئم مع هذا . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني حميد الطويل ، عن الحسن ، عن سمرة قال : ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه حتى يأمر بالصدقة ، وينهى عن [ ص: 426 ] المثلة . وقال ابن هشام : ولما وقف النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة قال : لن أصاب بمثلك أبدا ، ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا . ثم قال : جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات السبع : حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله . قال ابن هشام : وكان حمزة ، وأبو سلمة بن عبد الأسد أخوي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ; أرضعتهم ثلاثتهم ثويبة مولاة أبي لهب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي أنبأنا عبد الرحمن ، يعني ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن عروة قال : أخبرني أبي الزبير أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى ، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى . قال : فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال : " المرأة المرأة " . قال الزبير : فتوسمت أنها أمي صفية ، قال : فخرجت أسعى إليها ، فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى . قال : فلدمت في صدري ، وكانت امرأة جلدة ، قالت : إليك ، لا أرض لك . قال : فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم [ ص: 427 ] عليك . قال : فوقفت ، وأخرجت ثوبين معها ، فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة ، فقد بلغني مقتله ، فكفنوه فيهما . قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل ، قد فعل به كما فعل بحمزة . قال : فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له ، فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب . فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر ، فأقرعنا بينهما ، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية