[ ص: 579 ] فصل في جمل من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة
قال ابن جرير : وفي جمادى الأولى من هذه السنة عبد الله بن عثمان بن عفان رضي الله عنه - قلت : من مات صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ست سنين ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته والده رقية بنت رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه .
قلت : وفيه أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي ، وأمه توفي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ارتضعا من برة بنت عبد المطلب ثويبة مولاة أبي لهب وكان إسلام أبي سلمة وأبي عبيدة ، وعثمان بن عفان ، [ ص: 580 ] قديما في يوم واحد ، وقد هاجر هو وزوجته والأرقم بن أبي الأرقم أم سلمة إلى أرض الحبشة ، ثم عاد إلى مكة ، وقد ولد لهما بالحبشة أولاد ، ثم هاجر من مكة إلى المدينة وتبعته أم سلمة إلى المدينة كما تقدم ، وشهد بدرا وأحدا ، ومات من آثار جرح جرحه بأحد رضي الله عنه وأرضاه ، له حديث واحد في الاسترجاع عند المصيبة ، سيأتي في سياق تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا . بأم سلمة
قال ابن جرير : الحسين بن علي من صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله ، ورضي الله عنهم . وفي ليال خلون من شعبان منها ولد
قال : وفي شهر رمضان من هذه السنة ، زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية . تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد حكى أبو عمر بن عبد البر عن علي بن عبد العزيز الجرجاني أنه قال : كانت أخت . ثم استغربه وقال : لم أره لغيره . [ ص: 581 ] وهي التي يقال لها : ميمونة بنت الحارث أم المساكين . لكثرة صدقاتها عليهم وبرها لهم وإحسانها إليهم ، وأصدقها ثنتي عشرة أوقية ونشا ، ودخل بها في رمضان ، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث فطلقها .
قال أبو عمر بن عبد البر ، عن علي بن عبد العزيز الجرجاني : ثم خلف عليها أخوه . عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف
قال : في الغابة : وقيل : كانت تحت ابن الأثير عبد الله بن جحش فقتل عنها يوم أحد .
قال أبو عمر : ولا خلاف أنها ماتت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل : لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة حتى توفيت ، رضي الله عنها .
وقال الواقدي : أم سلمة بنت أبي أمية . في شوال من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت : وكانت قبله عند زوجها ، أبي أولادها وقد كان شهد أبي سلمة بن عبد الأسد بدرا وأحدا كما تقدم ، وجرح يوم أحد فداوى جرحه [ ص: 582 ] شهرا حتى برأ ، ثم خرج في سرية ، فغنم منها نعما ومغنما جيدا ، ثم أقام بعد ذلك سبعة عشر يوما ، ثم انتقض عليه جرحه ، فمات لثلاث بقين من جمادى الأولى من هذه السنة ، فلما حلت في شوال خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسها بنفسه الكريمة ، وبعث إليها عمر بن الخطاب في ذلك مررا ، فتذكر أنها امرأة غيرى ; أي شديدة الغيرة ، وأنها مصبية ; أي لها صبيان يشغلونها عنه ، ويحتاجون إلى مؤنة ، تحتاج معها أن تعمل لهم في قوتهم ، فقال : أما الصبية فإلى الله وإلى رسوله - أي نفقتهم - ليس إليك ، وأما الغيرة فأدعو الله فيذهبها . فأذنت في ذلك ، وقالت لعمر آخر ما قالت له : قم ، فزوج النبي صلى الله عليه وسلم . تعني : قد رضيت وأذنت . فتوهم بعض العلماء أنها تقول لابنها عمر بن أبي سلمة ، وقد كان إذ ذاك صغيرا لا يلي مثله العقد ، وقد جمعت في ذلك جزءا مفردا بينت فيه الصواب في ذلك ، ولله الحمد والمنة ، وأن الذي ولي عقدها عليه ابنها سلمة بن أبي سلمة وهو أكبر ولدها ، وساغ هذا ; لأن أباه ابن عمها . وكذا إذا كان معتقا أو حاكما ، فأما فللابن ولاية أمه إذا كان سببا لها من غير جهة البنوة بالإجماع عند محض البنوة فلا يلي بها عقد النكاح وحده ، وخالفه الثلاثة الشافعي أبو حنيفة ، ، ومالك وأحمد بن [ ص: 583 ] حنبل رحمهم الله ، ولبسط هذا موضع آخر يذكر فيه ، وهو كتاب النكاح من " الأحكام الكبير " إن شاء الله .
قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا ، عن ليث ، يعني ابن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن عمرو بن أبي عمرو المطلب ، عن أم سلمة قالت : أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا فسررت به ; قال : لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة ، فيسترجع عند مصيبته ، ثم يقول : اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها . إلا فعل به . قالت أم سلمة : فحفظت ذلك منه ، فلما توفي أبو سلمة استرجعت ، وقلت : اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . ثم رجعت إلى نفسي ، قلت : من أين لي خير من أبي سلمة ؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي ، فغسلت يدي من القرظ ، وأذنت له ، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف ، فقعد عليها ، فخطبني إلى نفسي ، فلما فرغ من مقالته قلت : يا رسول الله ، ما بي أن لا [ ص: 584 ] تكون بك الرغبة ، ولكني امرأة في غيرة شديدة ; فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به ، وأنا امرأة قد دخلت في السن ، وأنا ذات عيال . فقال : أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله عنك ، وأما ما ذكرت من السن ; فقد أصابني مثل الذي أصابك ، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي . فقالت : فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت : أم سلمة : فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه ; رسول الله صلى الله عليه وسلم . أتاني
وقد رواه الترمذي ، من حديث والنسائي حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أمه أم سلمة ، عن أبي سلمة به . وقال الترمذي : حسن غريب . . وفي رواية ، عن للنسائي ثابت ، عن ابن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه به . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبى شيبة ، عن ، عن يزيد بن هارون عبد الملك بن قدامة الجمحي ، عن أبيه عمر بن أبي سلمة به .
وقال ابن إسحاق : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من بدر الموعد - راجعا إلى المدينة فأقام بها حتى مضى ذو الحجة ، وولي تلك الحجة [ ص: 585 ] المشركون وهي سنة أربع .
وقال الواقدي : وفي هذه السنة - يعني سنة أربع - أن يتعلم كتاب يهود زيد بن ثابت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت : فثبت عنه في الصحيح أنه قال : تعلمته في خمسة عشر يوما . والله أعلم .