قال : ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة الإقبال على ما يستحقان به . انتهى . وفي ذكر الاستحقاق دسيسة الاعتزال ، وتقدم ذكر المغفرة على الجنة ؛ لأنها السبب الموصل إلى الجنة ، وحذف المضاف من السماوات ، أي عرض السماوات ، بعد حذف أداة التشبيه أي : كعرض . وبعد هذا التقدير اختلفوا ، هل هو تشبيه حقيقي ، أو ذهب به مذهب السعة العظيمة ؟ لما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في الغاية القصوى ؛ إذ السماوات والأرض أوسع ما علمه الناس من مخلوقاته وأبسطه ، وخص العرض ؛ لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة ، فعلى هذا لا يراد عرض ولا طول حقيقة ، قاله الزمخشري . وتقول العرب : بلاد عريضة ، أي واسعة . وقال الشاعر : الزجاج
كأن بلاد الله وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابل
والقول الأول عن وغيره . قال ابن عباس ابن عباس والجمهور : تقرن السماوات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ، فذلك عرض الجنة ، ولا يعلم طولها إلا الله . انتهى ولا ينكر هذا ؛ فقد ورد في الحديث في وصف الجنة وسعتها ما يشهد لذلك . وأورد وسعيد بن جبير ابن عطية من ذلك أشياء في كتابه . والجنة على هذا القول أكبر من السماوات ، وهي ممتدة في الطول حيث شاء الله . وخص العرض بالذكر لدلالته على الطول ، والطول إذا ذكر لا يدل على سعة العرض ، إذ قد يكون العرض يسيرا كعرض الخيط .وقال قوم : معناه كعرض السماوات والأرض طباقا ، لا بأن تقرن كبسط الثياب . فالجنة في السماء وعرضها كعرضها ، وعرض ما وازاها من الأرضين إلى السابعة ، وهذه دلالة على العظم . وأغنى ذكر العرض عن ذكر الطول . وقال : الجنة في السماء ، ويزاد فيها يوم القيامة ، وتقدم الكلام في الجنة أخلقت ؟ وهو ظاهر القرآن ، ونص الآثار الصحيحة النبوية أم لم تخلق [ ص: 58 ] بعد ؟ وهو قول ابن فورك المعتزلة ، ووافقهم من أهل بلادنا القاضي . وأما قول منذر بن سعيد : إنه يزاد فيها ، فيحتاج إلى صحة نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال ابن فورك الكلبي : الجنان أربع : جنة عدن ، وجنة المأوى ، وجنة الفردوس ، وجنة النعيم . كل جنة منها كعرض السماء والأرض ، لو وصل بعضها ببعض ما علم طولها إلا الله . وقال ابن بحر : هو من عرض المتاع على البيع ، لا العرض المقابل للطول . أي لو عورضت بها لساواها نصيب كل واحد منكم ، وجاء إعدادها للمتقين ، فخصوا بالذكر تشريفا لهم ، وإعلاما بأنهم الأصل في ذلك ، وغيرهم تبع لهم في إعدادها . وإن أريد بالمتقين متقو الشرك كان عاما في كل مسلم طائع أو عاص .