وهذه الأقوال متقاربة ، والقانتات : المطيعات لأزواجهن ، أو لله تعالى في حفظ أزواجهن ، وامتثال أمرهم ، أو لله تعالى في كل أحوالهن ، أو قائمات بما عليهن للأزواج ، أو المصليات ، أقوال ، آخرها للزجاج . حافظات للغيب قال عطاء والسدي : يحفظن ما غاب عن الأزواج ، وما يجب لهن من صيانة أنفسهن لهم ، ولا يتحدثن بما كان بينهم وبينهن . وقال ابن عطية : الغيب ، كل ما غاب عن علم زوجها مما استتر عنه ، وذلك يعم حال غيبة الزوج ، وحال حضوره . وقال : الغيب خلاف الشهادة ، أي حافظات لمواجب الغيب إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن ، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الزوج والبيوت والأموال . انتهى . والألف واللام في الغيب تغني عن الضمير ، والاستغناء بها كثير كقوله : ( الزمخشري واشتعل الرأس شيبا ) أي رأسي . وقال : ذو الرمة
لمياء في شفتيها حوة لعس وفي اللثات وفي أنيابها شنب
تريد : وفي لثاتها . وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أبو هريرة خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية .
وقرأ الجمهور : برفع الجلالة ، فالظاهر أن تكون ) ما ( مصدرية ، والتقدير : بحفظ الله إياهن . قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد . ويحتمل هذا الحفظ وجوها أي : يحفظ ، أي : بتوفيقه إياهن لحفظ الغيب ، أو لحفظه إياهن حين أوصى بهن الأزواج في كتابه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( ) ( أو بحفظهن حين وعدهن الثواب العظيم على حفظ الغيب ، وأوعدهن العذاب الشديد على الخيانة . وجوزوا أن تكون ) ( ما ) بمعنى الذي ، والعائد على ( ما ) محذوف ، والتقدير : بما حفظه الله لهن من مهور أزواجهن ، والنفقة عليهن ، قاله استوصوا بالنساء خيرا . وقال الزجاج ابن عطية : ويكون المعنى إما حفظ الله ورعايته التي لا يتم أمر دونها ، وإما أوامره ونواهيه للنساء ، وكأنها حفظه ، فمعناه : أن النساء يحفظن بإزاء ذلك وبقدره . وأجاز أبو البقاء أن تكون ( ما ) نكرة موصوفة .
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع : بنصب الجلالة فالظاهر أن ( ما ) بمعنى الذي ، وفي حفظ ضمير يعود على ( ما ) مرفوع ، أي : بالطاعة والبر الذي حفظ الله في امتثال أمره . وقيل : التقدير بالأمر الذي حفظ حق الله وأمانته ، وهو التعفف والتحصن والشفقة على الرجال والنصيحة لهم . وقدره : بما حفظ دين الله ، أو أمر الله . وحذف المضاف متعين تقديره : لأن الذات المقدسة لا ينسب إليها أنها يحفظها أحد . وقيل : ( ما ) مصدرية ، وفي ابن جني حفظ ضمير مرفوع تقديره : بما حفظن الله ، وهو عائد على الصالحات . قيل : وحذف ذلك الضمير ، وفي حذفه قبح لا يجوز إلا في الشعر كما قال :
فإن الحوادث أودى بها
يريد : أودين بها . والمعنى : يحفظن الله في أمره حين امتثلته . والأحسن في هذا أن لا يقال إنه حذف الضمير ، بل يقال : إنه عاد الضمير عليهن مفردا ، كأنه لوحظ الجنس ، وكأن الصالحات في معنى من صلح ، وهذا كله توجيه شذوذ أدى إليه قول من قال في هذه القراءة : إن ( ما ) مصدرية . ولا حاجة إلى هذا القول ، بل ينزه القرآن عنه . وفي قراءة عبد الله ومصحفه : ( فالصوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ الله فأصلحوا إليهن ) . وينبغي حملها على التفسير لأنها مخالفة لسواد الإمام ، وفيها زيادة . وقد صح عنه بالنقل الذي لا شك فيه أنه قرأ : وأقرأ على رسم السواد ، فلذلك ينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير . قال : والتكسير أشبه بالمعنى ، إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصودة هنا . ومعنى قوله : ( ابن جني فأصلحوا إليهن ) أي : أحسنوا ، ضمن أصلحوا معنى أحسنوا ، ولذلك عداه بـ ( إلى ) . روي في الحديث : ( يستغفر للمرأة المطيعة لزوجها الطير في [ ص: 241 ] الهواء ، والحيتان في البحر ، والملائكة في السماء ، والسباع في البراري ) . قالت : قلت : يا رسول الله ، نساء الدنيا أفضل أم الحور ؟ فقال : نساء الدنيا أفضل من الحور . قلت : يا رسول الله ، بم ؟ قال : بصلاتهن ، وصيامهن ، وعبادتهن ، وطاعة أزواجهن أم سلمة .