( إنما وليكم الله ورسوله ) لما نهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، بين هنا من هو وليهم ، وهو الله ورسوله . وفسر الولي هنا بالناصر ، أو المتولي الأمر ، أو المحب . ثلاثة أقوال ; والمعنى : لا ولي لكم إلا الله . وقال : وليكم بالإفراد ، ولم يقل أولياؤكم ; وإن كان المخبر به متعددا ، لأن وليا اسم جنس . أو لأن الولاية حقيقة هي لله تعالى على سبيل التأصل ، ثم نظم في سلكه من ذكر على سبيل التبع ، ولو جاء جمعا لم يتبين هذا المعنى من الأصالة والتبعية . وقرأ عبد الله : مولاكم الله ; وظاهر قوله : والذين آمنوا ، عموم من آمن من مضى منهم ومن بقي ، قاله الحسن . وسئل عمن نزلت فيه هذه الآية ، أهو الباقر علي ؟ فقال : علي من المؤمنين . وقيل : الذين آمنوا هو علي ، رواه أبو صالح عن ، وبه قال ابن عباس مقاتل ، ويكون من إطلاق الجمع على الواحد مجازا . وقيل [ ص: 514 ] ابن سلام وأصحابه . وقيل : عبادة ، لما تبرأ من حلفائه اليهود . وقيل : أبو بكر ، رضي الله عنه ، قاله عكرمة .
( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) هذه أوصاف ميز بها المؤمن الخالص الإيمان من المنافق ، لأن المنافق لا يدوم على الصلاة ولا على الزكاة . قال تعالى : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ) وقال تعالى : ( أشحة على الخير ) ولما كانت الصحابة وقت نزول هذه الآية من مقيمي صلاة ومؤتي زكاة ، وفي كلتا الحالتين كانوا متصفين بالخضوع لله تعالى والتذلل له ، نزلت الآية بهذه الأوصاف الجليلة ; والركوع هنا ظاهره الخضوع ، لا الهيئة التي في الصلاة . وقيل : المراد الهيئة ، وخصت بالذكر لأنها من أعظم أركان الصلاة ، فعبر بها عن جميع الصلاة ، إلا أنه يلزم في هذا القول تكرير الصلاة لقوله : يقيمون الصلاة ; ويمكن أن يكون التكرار على سبيل التوكيد لشرف الصلاة وعظمها في التكاليف الإسلامية . وقيل : المراد بالصلاة هنا الفرائض ، وبالركوع التنفل . يقال : فلان يركع إذا تنفل بالصلاة ; وروي أن عليا ، رضي الله عنه ، تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة . والظاهر من قوله : وهم راكعون ، أنها جملة اسمية معطوفة على الجمل قبلها ، منتظمة في سلك الصلاة . وقيل : الواو للحال ; أي : يؤتون الزكاة وهم خاضعون لا يشتغلون على من يعطونهم إياها ; أي : يؤتونها فيتصدقون وهم ملتبسون بالصلاة . وقال . ( فإن قلت ) : الذين يقيمون ما محله ؟ ( قلت ) : الرفع على البدل من الذين آمنوا ، أو على هم الذين يقيمون . انتهى . ولا أدري ما الذي منعه من الصفة إذ هو المتبادر إلى الذهن ، لأن المبدل منه في نية الطرح ، وهو لا يصح هنا طرح الذين آمنوا لأنه هو الوصف المترتب عليه صحة ما بعده من الأوصاف . الزمخشري