( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ) [ ص: 515 ] قال : كان ابن عباس رفاعة بن زيد وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت . ولما نهى تعالى المؤمنين عن اتخاذ الكفار والنصارى أولياء ، نهى عن اتخاذ الكفار أولياء يهودا كانوا أو نصارى ، أو غيرهما . وكرر ذكر اليهود والنصارى بقوله : ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) ، وإن كانوا مندرجين في عموم الكفار على سبيل النص على بعض أفراد العام لسبقهم في الذكر في الآيات قبل ، ولأنه أوغل في الاستهزاء ، وأبعد انقيادا للإسلام ، إذ يزعمون أنهم على شريعة إلهية . ولذلك كان المؤمنون من المشركين في غاية الكثرة ، والمؤمنون من اليهود والنصارى في غاية القلة . وقيل : أريد بالكفار : المشركون خاصة ; ويدل عليه قراءة عبد الله : ومن الذين أشركوا ، قال ابن عطية : وفرقت الآية بين الكفار وبين الذين أوتوا الكتاب ، من حيث الغالب في اسم الكفر أن يقع على المشركين بالله إشراك عبادة الأوثان ، لأنهم أبعد شأوا في الكفر . وقد قال : ( جاهد الكفار والمنافقين ) ففرق بينهم إرادة البيان . والجميع كفار ، وكانوا عبدة الأوثان ، هم كفار من كل جهة . وهذه الفرق تلحق بهم في حد الكفر ، وتخالفهم في رتب ، فأهل الكتاب يؤمنون بالله وببعض الأنبياء ، والمنافقون يؤمنون بألسنتهم . انتهى . وقال : وفصل المستهزئين بأهل الكتاب على المشركين خاصة . انتهى . ومعنى الآية : أن من اتخذ دينكم هزوا ولعبا لا يناسب أن يتخذ وليا ، بل يعادى ويبغض ويجانب . واستهزاؤهم ، قيل : بإظهار الإسلام ، وإخفاء الكفر . وقيل : بقولهم للمسلمين : احفظوا دينكم ودوموا عليه فإنه الحق ، وقول بعضهم لبعض : لعبنا بعقولهم وضحكنا عليهم . وقال الزمخشري : ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم ، وتقدم القول في القراءة في هزؤا . وقرأ النحويان : والكفار خفضا ; وقرأ ابن عباس أبي : ومن الكفار ، بزيادة من . وقرأ الباقون : نصبا ، وهي رواية عن الحسين الجعفي أبي عمرو ، وإعراب الجر والنصب واضح .
( واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) لما نهي المؤمنون عن اتخاذهم أولياء ، أمرهم بتقوى الله ، فإنها هي الحاملة على امتثال الأوامر واجتناب النواهي ; أي : اتقوا الله في موالاة الكفار ، ثم نبه على الوصف الحامل على التقوى وهو الإيمان ; أي : من كان مؤمنا حقا يأبى موالاة أعداء الدين .