قال تعالى : ( لا تخاف دركا ولا تخشى ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ( 77 ) ) .
قوله تعالى : ( فاضرب لهم طريقا ) : التقدير : موضع طريق ; فهو مفعول به على الظاهر ، ونظيره قوله تعالى : ( أن اضرب بعصاك البحر ) [ الشعراء : 63 ] وهو مثل : ضربت زيدا ; وقيل : ضرب هنا بمعنى جعل وشرع ، مثل قولهم : ضربت له بسهم .
و ( يبسا ) بفتح الباء : مصدر ; أي ذات يبس ، أو أنه وصفها بالمصدر مبالغة . وأما اليبس بسكون الباء فصفة بمعنى اليابس .
( لا تخاف ) : في الرفع ثلاثة أوجه ; أحدها : هو مستأنف . والثاني : هو حال من الضمير في " اضرب " والثالث : هو صفة للطريق ، والعائد محذوف ; أي ولا يخاف فيه .
ويقرأ بالجزم على النهي ، أو على جواب الأمر .
[ ص: 190 ] وأما " لا تخشى " فعلى القراءة الأولى هو مرفوع مثل المعطوف عليه . ويجوز أن يكون التقدير : وأنت لا تخشى .
وعلى قراءة الجزم هو حال ; أي : وأنت لا تخشى . ويجوز أن يكون التقدير : فاضرب لهم غير خاش .
وقيل : الألف في تقدير الجزم ، شبهت بالحروف الصحاح .
وقيل : نشأت لإشباع الفتحة ليتوافق رءوس الآي .
قال تعالى : ( فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ( 78 ) ) .
قوله تعالى : ( بجنوده ) : هو في موضع الحال ; والمفعول الثاني محذوف ; أي فأتبعهم فرعون عقابه ومعه جنوده . وقيل : أتبع بمعنى اتبع ; فتكون الباء معدية .
قال تعالى : ( وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ( 80 ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ( 81 ) ) قوله تعالى : ( جانب الطور ) : هو مفعول به ; أي إتيان جانب الطور ، ولا يكون ظرفا ; لأنه مخصوص .
( فيحل ) : هو جواب النهي . وقيل : هو معطوف ; فيكون نهيا أيضا ، كقولهم لا تمددها فتشقها .
و ( من يحلل ) : بضم اللام ; أي ينزل كقوله تعالى : ( أو تحل قريبا من دارهم ) [ الرعد : 31 ] .
وبالكسر بمعنى يجب ; كقوله : و ( ويحل عليه عذاب مقيم ) [ الزمر : 40 ] .
قال تعالى : ( وما أعجلك عن قومك يا موسى ( 83 ) ) .
قوله تعالى : ( وما أعجلك ) : " ما " استفهام ، مبتدأ ، و " أعجلك " الخبر .
قال تعالى : ( قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ( 84 ) ) .
قوله تعالى : ( هم ) : مبتدأ ، و ( أولاء ) بمعنى الذي . ( على أثري ) صلته ; وقد ذكر ذلك مستقصى في قوله : ( ثم أنتم هؤلاء تقتلون ) [ البقرة : 85 ] .
[ ص: 191 ] قال تعالى : ( قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( 86 ) ) .
قوله تعالى : ( وعدا حسنا ) : يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا ، أو أن يكون مفعولا به بمعنى الموعود .
قال تعالى : ( ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ( 87 ) فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي ( 88 ) ) .
قوله تعالى : ( بملكنا ) : يقرأ بكسر الميم وفتحها وضمها ، وفيه وجهان ; أحدهما : أنها لغات ، والجميع مصدر بمعنى القدرة . والثاني : أن الضم مصدر " ملك " يقال ملك بين الملك . والفتح بمعنى المملوك ; [ أي بإصلاح ما يملك . والكسر مصدر مالك ، وقد يكون بمعنى المملوك أيضا ] ; وإذا جعل مصدرا كان مضافا إلى الفاعل ، والمفعول محذوف ; أي بملكنا أمرنا ، أو الصواب ، أو الخطأ .
( حملنا ) : بالتخفيف . ويقرأ بالتشديد على ما لم يسم فاعله ; أي حملنا قومنا .
( فكذلك ) : صفة لمصدر محذوف ; أي إلقاء مثل ذلك .
وفاعل " نسي " موسى عليه السلام ، وهو حكاية عن قومه . وقيل : الفاعل ضمير السامري .
قال تعالى : ( ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ( 89 ) ) .
قوله تعالى : ( أن لا يرجع ) : أن مخففة من الثقيلة ، و " لا " كالعوض من اسمها المحذوف . وقد قرئ " يرجع " بالنصب على أن تكون " أن " الناصبة ; وهو ضعيف ; لأن " يرجع " من أفعال اليقين ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : ( وحسبوا أن لا تكون ) [ المائدة : 71 ] .