فصل : [ القول في
nindex.php?page=treesubj&link=11152اشتراط الولي في عقد النكاح ]
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=11013_11152أرادت المرأة أن تنفرد بالعقد على نفسها من غير ولي ، فقد اختلف الفقهاء فيه على ستة مذاهب .
مذهب
الشافعي منها : أن الولي شرط في نكاحها لا يصح العقد إلا به وليس لها أن تنفرد بالعقد على نفسها ، وإن أذن لها وليها ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، شريفة أو دنية ، بكرا أو ثيبا .
وبه قال من الصحابة
عمر ،
وعلي ،
وابن عباس ،
وابن عمر ،
وعائشة ، رضي الله عنهم .
ومن التابعين :
الحسن ،
وابن المسيب ،
وعمر بن عبد العزيز ،
وشريح ،
والنخعي .
ومن الفقهاء :
الأوزاعي ،
والثوري ،
وابن أبي ليلى ،
وأحمد ،
وإسحاق .
وقال
أبو حنيفة : إن لم يكن عليها في مالها ولاية لبلوغها وعقلها لم يكن عليها في نكاحها ولاية ، وجاز أن تنفرد بالعقد على نفسها وترده إلى من شاءت من رجل أو امرأة ، ولا اعتراض عليها من الوالي إلا أن تضع نفسها في غير كفء ، وإن كان عليها في مالها ولاية لجنون أو صغر لم تنكح نفسها إلا بولي .
قال
مالك : إن كانت ذات شرف أو جمال أو مال صح نكاحها بغير ولي .
وقال
داود : إن كانت بكرا لم يصح نكاحها إلا بولي ، وإن كانت ثيبا صح بغير ولي .
وقال
أبو ثور : إن أذن لها وليها جاز أن تعقد على نفسها ، وإن لم يأذن لها لم يجز .
وقال
أبو يوسف : تأذن لمن شاءت من الرجال في تزويجها دون النساء ، ويكون موقوفا على إجازة وليها .
فأما
أبو حنيفة فاستدل بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف [ البقرة : 234 ] فنسب النكاح إليهن ورفع الاعتراض عنهن ، وبرواية
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923849الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها .
وبرواية
نافع بن جبير وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923850ليس لولي مع الثيب أمر .
[ ص: 39 ] وبما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=923851أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي ونعم الأب هو زوجني بابن أخ له ليرفع بي خسيسته ، فرد نكاحها . فقالت : قد اخترت ما فعل أبي ، وإنما أردت ليعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ، ولأن كل من جاز له التصرف في ماله جاز له التصرف في نكاحه ، كالرجل طردا والصغير عكسا .
ولأنه عقد يجوز أن يتصرف فيه الرجل ، فجاز أن تتصرف فيه المرأة كالبيع ، ولأنه عقد على منفعة فجاز أن تتولاه المرأة كالإجارة ، ولأن لما جاز تصرفها في المهر وهو بدل من العقد جاز تصرفها في العقد .
وتحريره : أن من جاز تصرفه في البدل جاز تصرفه في المبدل ، كالبالغ في الأموال طردا وكالصغير عكسا .
والدلالة على جماعتهم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف [ البقرة : 232 ] فدلت الآية على ثبوت الولاية من وجهين :
أحدهما : نهي الأولياء عن عضلهن ، والعضل المنع في أحد التأويلين ، والتضييق في التأويل الآخر ، فلو جاز لهن التفرد بالعقد لما أثر عضل الأولياء ، ولما توجه إليهم نهي .
والثاني : قوله في سياق الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232إذا تراضوا بينهم بالمعروف [ البقرة : 232 ] . والمعروف ما تناوله العرف بالاختيار وهو الولي وشاهدان .
فإن قيل : فالمنع من العضل إنما توجه إلى الأزواج لتقديم ذكرهم دون الأولياء الذين ليس لهم في الآية ذكر ، فمن ذلك جوابان :
أحدهما : أنه لا يجوز توجيه النهي إلى الأزواج ، لأنه إن عضل الزوج قبل العدة فحق لا يجوز أن ينهى عنه ، وإن عضل بعد العدة فهو غير مؤثر .
والثاني : أن ما روي من سبب نزولها في
معقل بن يسار في أشهر القولين ، أو
جابر في أضعفهما ، يوجب حمله على الأولياء دون الأزواج ، وليس ينكر أن يعود الخطاب إليهم ، وإن لم يتقدم لهم ذكر إذا دل الخطاب عليه كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6إن الإنسان لربه لكنود nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وإنه على ذلك لشهيد [ العاديات : 6 ، 7 ] يعني الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وإنه لحب الخير لشديد [ العاديات : 8 ] . يعني الإنسان ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فانكحوهن بإذن أهلهن [ النساء : 25 ] أي أوليائهن ، فجعل إذن الأولياء شرطا في نكاحهن ، فدل على بطلانه لعدمه .
ويدل على ذلك من السنة ما رواه
ابن مسعود ،
وابن عمر ،
وابن عباس ،
وأبو هريرة ،
وعائشة ،
وأنس ،
وعمران بن الحصين ،
وأبو موسى ، وأثبت الروايات رواية
أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لا نكاح إلا بولي .
[ ص: 40 ] وروى
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فكان على عمومه في كل نكاح من صغيرة وكبيرة وشريفة ودنية وبكر وثيب .
فإن قالوا : نحن نقول بموجبه ، لأن المرأة ولية نفسها فإذا زوجت نفسها كان نكاحها بولي .
فعن ذلك جوابان : أنه خطاب لا يفيد ، لعلمنا أنه لا نكاح إلا بمنكوحة ولا يتميز عن سائر العقود ، وقد خص النكاح به .
والثاني : أن قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لا نكاح إلا بولي يقتضي أن يكون الولي رجلا ، ولو كانت هي المراد لقال : لا نكاح إلا بولية ، ويدل عليه ما رواه
الشافعي ، عن
مسلم بن خالد الزنجي ، عن
ابن جريج ، عن
سليمان بن موسى ، عن
الزهري ، عن
عروة ، عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923369أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا - أو قال : اختلفوا - فالسلطان ولي من لا ولي له .
وهذا نص في إبطال
nindex.php?page=treesubj&link=11013_11152النكاح بغير ولي من غير تخصيص ولا تمييز ، واعترضوا على هذا الحديث بثلاثة أسئلة :
أحدها : أن قالوا : مدار هذا الحديث على رواية
الزهري ، وقد روى
ابن علية عن
ابن جريج أنه قال : لقيت
الزهري فسألته عنه قال : لا أعرفه . وعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه قد رواه عن
الزهري أربعة :
سليمان بن موسى ،
ومحمد بن إسحاق ،
وجعفر بن ربيعة ،
والحجاج بن أرطاة ، ورواه عن
عروة ثلاثة :
الزهري ،
وهشام بن عروة ،
وأبو الغصن ثابت بن قيس ، فلم يصح إضافة إنكاره إلى
الزهري مع العدد الذي رووه عنه ، ولو صح إنكاره له لما أثر فيه مع رواية غير
الزهري له عن
عروة .
والثاني : ما قاله بعض أصحاب الحديث : أن
الزهري أنكر
سليمان بن موسى ، وقال : لا أعرفه ، وإلا فالحديث أشهر من أن ينكره
الزهري ولا يعرفه ، وليس
nindex.php?page=treesubj&link=29175جهل المحدث بالراوي عنه مانعا من قبول روايته عنه ، ولا معرفته شرطا في صحة حديثه .
والثالث : أنه لا اعتبار بإنكار المحدث للحديث بعد روايته عنه ، وليس استدامة ذكر
[ ص: 41 ] المحدث شرطا في صحة حديثه ، فإن
ربيعة روى عن
سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن
أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=923853أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ثم نسي
سهيل الحديث ، فحدث به
ربيعة ، وكان
سهيل إذا حدث به قال : أخبرني
علي عن أبي عن
أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923853أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد .
السؤال الثاني : إن قالوا : هذا الحديث لا يصح عن
عائشة فقد رويتموه عنها ، لأنها زوجت بنت أخيها
عبد الرحمن وكان غائبا
بالشام ، فلما قدم قال : أمثلي يقتات عليه في بناته ، فأمضى النكاح .
وقيل : إن ما روته من الحديث أثبت عند أصحاب الحديث مما روي عنها من نكاح ابنة أخيها ، وقد ذكر
الدارقطني لإبطاله وجوها ، على أن
الشافعي قد أفرد للجواب عنه بابا فنحن نذكره فيه .
السؤال الثالث : إن قالوا : هو محمول على من عليها من النساء ولاية بصغر أو رق ، وتلك لا يجوز نكاحها إلا بولي ، وقد روي في الخبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923854إن امرأة نكحت بغير إذن مواليها ، فنكاحها باطل . فاقتضى صريح هذه الرواية حملها على الأمة ، ودليل تلك آكد ، وأن حمله على الصغيرة ، وخرجت الحرة الكبيرة في الروايتين . والجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن على جميع النساء في النكاح ولاية ، لجواز اعتراض الأولياء على جميعهن .
والثاني : أن حمله على الصغير لا يجوز من وجهين :
أحدهما : لاستواء الصغير والصغيرة فيه ، ولانتفاء تخصيص النساء بالذكر تأثير .
والثاني : لاستواء النكاح وغيره من العقود ، فلا يبقى لتخصيص النكاح بالذكر تأثير ، وحمله على الأمة لا يجوز من وجهين :
أحدهما : لاستواء العبد والأمة فيه لم يكن لتخصيص الأمة تأثير .
والثاني : لقوله في آخر الخبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923855فإن اشتجروا nindex.php?page=treesubj&link=11059فالسلطان ولي من لا ولي له والسلطان لا يكون وليا للأمة ، وإن عضلها مواليها ، وروايتهم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923856أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل . والمولى يطلق على الولي كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي [ مريم : 5 ] . يعني الأولياء ، لأنه لم يكن عليه رق فيكون له مولى ، على أننا نستعمل الروايتين فتكون روايتنا مستعملة في الحرة ، وروايتهم مستعملة في الأمة ، فلا
[ ص: 42 ] يتعارضان ، ويدل عليه ما رواه
ابن سيرين عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923857لا تنكح المرأة المرأة ، ولا تنكح المرأة نفسها والتي تنكح نفسها هي الزانية " .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح : الزوج والولي وشاهدان . ولأنه إجماع الصحابة : لأنه قول من ذكرنا من الرواة الثمانية ، وهو مروي عن
عمر وعلي - رضي الله عنهما - أما
علي فروى عن
الشعبي ، أنه قال : لم يكن في الصحابة أشد في النكاح بغير ولي من
علي بن أبي طالب ، وأما
عمر فروي عنه أنه قال : لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذي الرأي من أهلها ، أو السلطان . وفيه تأويلان :
أحدهما : إلا بإذن وليها إن كان واحدا ، أو ذي الرأي من أهلها إن كانوا جماعة ، أو السلطان إن لم يكن لها ولي .
الثاني : بإذن وليها إن كان لها ولي ، فإن كان لم يكن لها ولي زوجها السلطان بمشورة ذي الرأي من أهلها وذوي أرحامها ، فهذا قول من ذكرنا من الصحابة ، وليس في التابعين مخالف فثبت أنه إجماع .
ويدل على ذلك من القياس هو أن كل من كان من زوائد عقد النكاح كان شرطا فيه كالشهود ، ولأن ما اختص من بين جنسه بزيادة عدد كانت الزيادة شرطا فيه ، كالشهادة في الزنا ، ولأن كل عقد صارت به المرأة فراشا لم يملكه المفترشة كالأمة ، ولأن من عقد على نفسه واعترض عليه غيره في فسخه دل على فساد عقده كالأمة والعبد إذا زوجا أنفسهما ، ولأن من منع من الوفاء معقود العقد خرج من العقد كالمحجور عليه ، ولأنه أحد طرفي الاستباحة فلم تملكه المرأة كالطلاق ، ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=27438لولي المرأة قبل بلوغها حقين : حقا في طلب الكفاءة ، وحقا في طلب العقد ، فلما كان بلوغها غير مسقط لحقه في طلب الكفاءة كان غير مسقط لحقه في مباشرة العقد .
ويتحرر من اعتلاله قياسان :
أحدها : أنه أحد حقي الولي ، فلم يسقطه بلوغها كطلب الكفاءة .
والثاني : أن كل من ثبت عليها حق الولي في طلب الكفاءة ثبت عليه حقه في مباشرة العقد كالصغيرة . فأما الجواب عن استدلالهم بالآية فمن وجهين :
أحدهما : أن المراد برفع الجناح عنهن : أن لا يمنعن من النكاح ، فإذا أردنه فلا يدل على تفردهن بغير ولي ، كما لم يدل على تفردهن بغير شهود .
والثاني : أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف [ البقرة : 234 ] . يقتضي
[ ص: 43 ] فعله على ما جرى به العرف من المعروف الحسن ، وليس من المعروف الحسن أن تنكح نفسها بغير ولي .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923858nindex.php?page=treesubj&link=11090الأيم أحق بنفسها من وليها فقد مر الجواب عنه أن لأهل اللغة في الأيم قولين :
أحدهما : التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا ، وإن لم تنكح قط . يقال : امرأة أيم ، إذا كانت خلية من زوج ، ورجل أيم إذا كان خليا من زوجة .
والقول الثاني : أنها لا يقال لها أيم إلا إذا نكحت ، ثم حلت بموت أو طلاق ، بكرا كانت أو ثيبا ، ومنه قول الشاعر :
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي يد الدهر ما لم تنكحي أتأيم
فأما الأيم في هذا الخبر فالمراد بها الثيب من الخاليات الأيامى دون الأبكار لأمرين :
أحدهما : أنه قد روي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923859الثيب أحق بنفسها من وليها .
والثاني : أنه لما قابل الأيم بالبكر اقتضى أن تكون البكر غير الأيم ، لأن المعطوف غير المعطوف عليه ، وليس غير البكر إلا الثيب ، فلهذا عدل بالأيم عن حقيقة اللغة إلى موجب الخبر .
فإذا تقررت هذه المقدمة ، فعن الخبر ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنها أحق بنفسها في أنها لا تجبر إن أبت ولا تمنع إن طلبت تفردها بالعقد من غير شهود .
والثاني : أنه جعل لها وليا في الموضع الذي جعلها أحق بنفسها موجب أن لا يسقط ولايته عن عقدها ، ليكون حقها في نفسها ، وحق الولي في عقدها ، فيجمع بين هذا الخبر وبين قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لا نكاح إلا بولي في العقد .
والثالث : أن لفظة " أحق " موضوعة في اللغة للاشتراك في المستحق إذا كان حق أحدهما فيه أغلب ، كما يقال : زيد أعلم من عمرو إذا كانا عالمين وأحدهما أفضل وأعلم ، ولو كان زيد عالما وعمرو جالسا لكان كلاما مردودا : لأنه لا يصير بمثابة قوله العالم أعلم من الجاهل ، وهذا الفرد إذا كان ذلك موجبا لكل واحد منهما حق ، وحق الثيب أغلب ، فالأغلب أن يكون من جهتها الإذن والاختيار من جهة قبول الإذن في مباشرة العقد .
وأما قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923860ليس للولي مع الثيب أمر :
[ ص: 44 ] فالأمر هو الإجبار والإلزام ، وليس
nindex.php?page=treesubj&link=11051للولي إجبار الثيب وإلزامها ولا يقتضي ذلك أن ينفرد بالعقد دون وليها ، كما لا تنفرد به دون الشهود .
فأما حديث المرأة التي زوجها أبوها ، فرواية
عكرمة بن فلان ، فإن كان مولى
ابن عباس فهو مرسل الحديث ، لأنه تابعي ولم يسنده ،
nindex.php?page=treesubj&link=21528والمرسل ليس بحجة ، وإن كان غيره فهو مجهول ،
nindex.php?page=treesubj&link=21484وجهالة الراوي تمنع من قبول حديثه ، ثم لا حجة فيه لو صح : لأنه رد نكاحا انفرد به الولي ، وإنما يكون حجة لو أجاز نكاحا تفردت به المرأة .
وأما قياسهم على الرجل ، فالمعنى في الرجل ، أنه لما لم يكن للولي عليه اعتراض في الكفاءة لم يكن له في العقد عليه ولاية ، ولما كان للولي على المرأة اعتراض في الكفاءة لم تكن له في العقد عليها ولاية ، وكذا الجواب عن قياسه على عقد الإجارة أنه ليس للولي اعتراض فيه ، فلم يكن له ولاية عليه ، وليس كذلك عقد نكاحها .
وأما قياسه على المهر فعندهم أن للولي أن يعترض عليها فيه ويمنعها بأن تتزوج بأقل من مهرها ثم هو منتقض بقطع الأطراف في إبدالها من الدية ، ولا يتصرف فيها بالقطع والإباحة .
فَصْلٌ : [ الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11152اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ ]
فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11013_11152أَرَادَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ .
مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ مِنْهَا : أَنَّ الْوَلِيَّ شَرْطٌ فِي نِكَاحِهَا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إِلَّا بِهِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا وَلِيُّهَا ، سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً ، شَرِيفَةً أَوْ دَنِيَّةً ، بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا .
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ
عُمَرُ ،
وَعَلَيُّ ،
وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَابْنُ عُمَرَ ،
وَعَائِشَةُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَمِنَ التَّابِعِينَ :
الْحَسَنُ ،
وَابْنُ الْمُسَيَّبِ ،
وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزَ ،
وَشُرَيْحٌ ،
وَالنَّخَعِيُّ .
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ :
الْأَوْزَاعِيُّ ،
وَالثَّوْرِيُّ ،
وَابْنُ أَبِي لَيْلَى ،
وَأَحْمَدُ ،
وَإِسْحَاقُ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا وِلَايَةٌ لِبُلُوغِهَا وَعَقْلِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فِي نِكَاحِهَا وِلَايَةٌ ، وَجَازَ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا وَتَرُدَّهُ إِلَى مَنْ شَاءَتْ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا مِنَ الْوَالِي إِلَّا أَنْ تَضَعَ نَفْسَهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا وِلَايَةٌ لِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ لَمْ تَنْكِحْ نَفْسَهَا إِلَّا بِوَلِيٍّ .
قَالَ
مَالِكٌ : إِنْ كَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ أَوْ جَمَالٍ أَوْ مَالٍ صَحَّ نِكَاحُهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ .
وَقَالَ
دَاوُدُ : إِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا إِلَّا بِوَلِيٍّ ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا صَحَّ بِغَيْرِ وَلِيٍّ .
وَقَالَ
أَبُو ثَوْرٍ : إِنْ أَذِنَ لَهَا وَلِيُّهَا جَازَ أَنْ تَعْقِدَ عَلَى نَفْسِهَا ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا لَمْ يَجُزْ .
وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ : تَأْذَنُ لِمَنْ شَاءَتْ مِنَ الرِّجَالِ فِي تَزْوِيجِهَا دُونَ النِّسَاءِ ، وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهَا .
فَأَمَّا
أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [ الْبَقَرَةِ : 234 ] فَنَسَبَ النِّكَاحَ إِلَيْهِنَّ وَرَفْعَ الِاعْتِرَاضَ عَنْهُنَّ ، وَبِرِوَايَةِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923849الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا ، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا .
وَبِرِوَايَةِ
نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923850لَيْسَ لِوَلِيٍّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ .
[ ص: 39 ] وَبِمَا رُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=923851أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنْ أَبِي وَنِعْمَ الْأَبُ هُوَ زَوَّجَنِي بِابْنِ أَخٍ لَهُ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ ، فَرَدَّ نِكَاحَهَا . فَقَالَتْ : قَدِ اخْتَرْتُ مَا فَعَلَ أَبِي ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ لِيَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي نِكَاحِهِ ، كَالرَّجُلِ طَرْدًا وَالصَّغِيرِ عَكْسًا .
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الرَّجُلُ ، فَجَازَ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمَرْأَةُ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَجَازَ أَنْ تَتَوَلَّاهُ الْمَرْأَةُ كَالْإِجَارَةِ ، وَلِأَنَّ لَمَّا جَازَ تَصَرُّفُهَا فِي الْمَهْرِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الْعَقْدِ جَازَ تَصَرُّفُهَا فِي الْعَقْدِ .
وَتَحْرِيرُهُ : أَنَّ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي الْبَدَلِ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي الْمُبْدَلِ ، كَالْبَالِغِ فِي الْأَمْوَالِ طَرْدًا وَكَالصَّغِيرِ عَكْسًا .
وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [ الْبَقَرَةِ : 232 ] فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : نَهْيُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ عَضْلِهِنَّ ، وَالْعَضْلُ الْمَنْعُ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ ، وَالتَّضْيِيقُ فِي التَّأْوِيلِ الْآخَرِ ، فَلَوْ جَازَ لَهُنَّ التَّفَرُّدُ بِالْعَقْدِ لَمَا أَثَّرَ عَضْلُ الْأَوْلِيَاءِ ، وَلَمَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ نَهْيٌ .
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=232إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [ الْبَقَرَةِ : 232 ] . وَالْمَعْرُوفُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعُرْفُ بِالِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْوَلِيُّ وَشَاهِدَانِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَالْمَنْعُ مِنَ الْعَضْلِ إِنَّمَا تَوَجَّهَ إِلَى الْأَزْوَاجِ لِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِمْ دُونَ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ ، فَمِنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْجِيهُ النَّهْيِ إِلَى الْأَزْوَاجِ ، لِأَنَّهُ إِنْ عَضَلَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْعِدَّةِ فَحَقٌّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ ، وَإِنْ عَضَلَ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ سَبَبِ نُزُولِهَا فِي
مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فِي أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ ، أَوْ
جَابِرٍ فِي أَضْعَفِهِمَا ، يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ دُونَ الْأَزْوَاجِ ، وَلَيْسَ يُنْكَرُ أَنْ يَعُودَ الْخِطَابُ إِلَيْهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمْ ذِكْرٌ إِذًا دَلَّ الْخِطَابُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=6إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=7وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ [ الْعَادِيَّاتِ : 6 ، 7 ] يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [ الْعَادِيَّاتِ : 8 ] . يَعْنِي الْإِنْسَانَ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ [ النِّسَاءِ : 25 ] أَيْ أَوْلِيَائِهِنَّ ، فَجَعَلَ إِذَنَ الْأَوْلِيَاءِ شَرْطًا فِي نِكَاحِهِنَّ ، فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ لِعَدَمِهِ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ
ابْنُ مَسْعُودٍ ،
وَابْنُ عُمَرَ ،
وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
وَأَبُو هُرَيْرَةَ ،
وَعَائِشَةُ ،
وَأَنَسٌ ،
وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ ،
وَأَبُو مُوسَى ، وَأَثْبَتُ الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ
أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ .
[ ص: 40 ] وَرَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ نِكَاحٍ مِنْ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ وَشَرِيفَةٍ وَدَنِيَّةٍ وَبِكْرٍ وَثَيِّبٍ .
فَإِنْ قَالُوا : نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا فَإِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا كَانَ نِكَاحُهَا بِوَلِيٍّ .
فَعَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ : أَنَّهُ خِطَابٌ لَا يُفِيدُ ، لِعِلْمِنَا أَنَّهُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِمَنْكُوحَةٍ وَلَا يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْعُقُودِ ، وَقَدْ خُصَّ النِّكَاحُ بِهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ رَجُلًا ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرَادُ لَقَالَ : لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيَّةٍ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
مُسْلِمِ بْنِ خَالِدِ الزَّنْجِيِّ ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنِ
الزَّهْرِيِّ ، عَنْ
عُرْوَةَ ، عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923369أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذَنْ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، وَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا - أَوْ قَالَ : اخْتَلَفُوا - فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ .
وَهَذَا نَصٌّ فِي إِبْطَالِ
nindex.php?page=treesubj&link=11013_11152النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا تَمْيِيزٍ ، وَاعْتَرَضُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِثَلَاثَةِ أَسْئِلَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ قَالُوا : مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ
الزُّهْرِيِّ ، وَقَدْ رَوَى
ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ : لَقِيتُ
الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ قَالَ : لَا أَعْرِفُهُ . وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنِ
الزَّهْرِيِّ أَرْبَعَةٌ :
سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ،
وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ، وَرَوَاهُ عَنْ
عُرْوَةَ ثَلَاثَةٌ :
الزُّهْرِيُّ ،
وَهُشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ،
وَأَبُو الْغُصْنِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ، فَلَمْ يَصِحَّ إِضَافَةُ إِنْكَارِهِ إِلَى
الزُّهْرِيِّ مَعَ الْعَدَدِ الَّذِي رَوَوْهُ عَنْهُ ، وَلَوْ صَحَّ إِنْكَارُهُ لَهُ لَمَا أَثَّرَ فِيهِ مَعَ رِوَايَةِ غَيْرِ
الزُّهْرِيِّ لَهُ عَنْ
عُرْوَةَ .
وَالثَّانِي : مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ : أَنَّ
الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَ
سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى ، وَقَالَ : لَا أَعْرِفُهُ ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْكِرَهُ
الزُّهْرِيُّ وَلَا يَعْرِفَهُ ، وَلَيْسَ
nindex.php?page=treesubj&link=29175جَهْلُ الْمُحَدِّثِ بِالرَّاوِي عَنْهُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِ عَنْهُ ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ حَدِيثِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِ الْمُحَدِّثِ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْهُ ، وَلَيْسَ اسْتِدَامَةُ ذِكْرِ
[ ص: 41 ] الْمُحَدِّثِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ حَدِيثِهِ ، فَإِنَّ
رَبِيعَةَ رَوَى عَنْ
سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=923853أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ثُمَّ نَسِيَ
سُهَيْلٌ الْحَدِيثَ ، فَحَدَّثَ بِهِ
رَبِيعَةَ ، وَكَانَ
سُهَيْلٌ إِذَا حَدَّثَ بِهِ قَالَ : أَخْبَرَنِي
عَلِيٌّ عَنْ أَبِي عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923853أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : إِنْ قَالُوا : هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ عَنْ
عَائِشَةَ فَقَدْ رَوَيْتُمُوهُ عَنْهَا ، لِأَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ غَائِبًا
بِالشَّامِ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ : أَمِثْلِي يُقْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بَنَاتِهِ ، فَأَمْضَى النِّكَاحَ .
وَقِيلَ : إِنَّ مَا رَوَتْهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَثْبَتُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِمَّا رُوِيَ عَنْهَا مِنْ نِكَاحِ ابْنَةِ أَخِيهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ
الدَّارَقُطْنِيُّ لِإِبْطَالِهِ وُجُوهًا ، عَلَى أَنَّ
الشَّافِعِيَّ قَدْ أَفْرَدَ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بَابًا فَنَحْنُ نَذْكُرُهُ فِيهِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : إِنْ قَالُوا : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهَا مِنَ النِّسَاءِ وِلَايَةٌ بِصِغَرٍ أَوْ رِقٍّ ، وَتِلْكَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إِلَّا بِوَلِيٍّ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْخَبَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923854إِنِ امْرَأَةٌ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ . فَاقْتَضَى صَرِيحُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَمْلَهَا عَلَى الْأَمَةِ ، وَدَلِيلُ تِلْكَ آكَدُ ، وَأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الصَّغِيرَةِ ، وَخَرَجَتِ الْحُرَّةُ الْكَبِيرَةُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ . وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ وِلَايَةً ، لِجَوَازِ اعْتِرَاضِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى جَمِيعِهِنَّ .
وَالثَّانِي : أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِاسْتِوَاءِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فِيهِ ، وَلِانْتِفَاءِ تَخْصِيصِ النِّسَاءِ بِالذِّكْرِ تَأْثِيرٌ .
وَالثَّانِي : لِاسْتِوَاءِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُقُودِ ، فَلَا يَبْقَى لِتَخْصِيصِ النِّكَاحِ بِالذِّكْرِ تَأْثِيرٌ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَمَةِ لَا يَجُوزُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : لِاسْتِوَاءِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْأَمَةِ تَأْثِيرٌ .
وَالثَّانِي : لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْخَبَرِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923855فَإِنِ اشْتَجَرُوا nindex.php?page=treesubj&link=11059فَالسُّلْطَانُ وَلَيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَالسُّلْطَانُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلْأَمَةِ ، وَإِنْ عَضَلَهَا مَوَالِيهَا ، وَرِوَايَتُهُمْ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923856أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ . وَالْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي [ مَرْيَمَ : 5 ] . يَعْنِي الْأَوْلِيَاءَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رِقٌّ فَيَكُونُ لَهُ مَوْلَى ، عَلَى أَنَّنَا نَسْتَعْمِلُ الرِّوَايَتَيْنِ فَتَكُونُ رِوَايَتُنَا مُسْتَعْمَلَةً فِي الْحُرَّةِ ، وَرِوَايَتُهُمْ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْأَمَةِ ، فَلَا
[ ص: 42 ] يَتَعَارَضَانِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ
ابْنُ سِيرِينَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923857لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ ، وَلَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَالَّتِي تُنْكِحُ نَفْسَهَا هِيَ الزَّانِيَةُ " .
وَرُوِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ : الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ وَشَاهِدَانِ . وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ : لِأَنَّهُ قَوْلُ مِنْ ذَكَرْنَا مِنَ الرُّوَاةِ الثَّمَانِيَةِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَمَّا
عَلَيٌّ فَرَوَى عَنِ
الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ أَشَدُّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَمَّا
عُمَرُ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا ، أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا ، أَوِ السُّلْطَانِ . وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ :
أَحَدُهُمَا : إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا إِنْ كَانَ وَاحِدًا ، أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانُوا جَمَاعَةً ، أَوِ السُّلْطَانِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ .
الثَّانِي : بِإِذْنِ وَلِيِّهَا إِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ ذِي الرَّأْيِ مَنْ أَهْلِهَا وَذَوِي أَرْحَامِهَا ، فَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَلَيْسَ فِي التَّابِعَيْنِ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ .
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْقِيَاسِ هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ زَوَائِدِ عَقْدِ النِّكَاحِ كَانَ شَرْطًا فِيهِ كَالشُّهُودِ ، وَلِأَنَّ مَا اخْتُصَّ مِنْ بَيْنِ جِنْسِهِ بِزِيَادَةِ عَدَدٍ كَانَتِ الزِّيَادَةُ شَرْطًا فِيهِ ، كَالشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا ، وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَارَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لَمْ يُمَلِّكْهُ الْمُفْتَرَشَةَ كَالْأَمَةِ ، وَلِأَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي فَسْخِهِ دَلَّ عَلَى فَسَادِ عَقْدِهِ كَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ إِذَا زَوَّجَا أَنْفُسَهُمَا ، وَلِأَنَّ مَنْ مُنِعَ مِنَ الْوَفَاءِ مَعْقُودُ الْعَقْدِ خَرَجَ مِنَ الْعَقْدِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيِ الِاسْتِبَاحَةِ فِلَمْ تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ كَالطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27438لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ قَبْلَ بُلُوغِهَا حَقَّيْنِ : حَقًا فِي طَلَبِ الْكَفَاءَةِ ، وَحَقًّا فِي طَلَبِ الْعَقْدِ ، فَلَمَّا كَانَ بُلُوغُهَا غَيْرَ مُسْقِطٍ لِحَقِّهِ فِي طَلَبِ الْكَفَاءَةِ كَانَ غَيْرَ مُسْقِطٍ لِحَقِّهِ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ .
وَيَتَحَرَّرُ مِنَ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ أَحَدُ حَقَّيِ الْوَلِيِّ ، فَلَمْ يُسْقِطْهُ بُلُوغُهَا كَطَلَبِ الْكَفَاءَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ كُلَّ مِنْ ثَبَتَ عَلَيْهَا حَقُّ الْوَلِيِّ فِي طَلَبِ الْكَفَاءَةِ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَقُّهُ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ كَالصَّغِيرَةِ . فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِ الْجَنَاحِ عَنْهُنَّ : أَنْ لَا يُمْنَعْنَ مِنَ النِّكَاحِ ، فَإِذَا أَرَدْنَهُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَفَرُّدِهِنَّ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، كَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى تَفَرُّدِهِنَّ بِغَيْرِ شُهُودٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=234فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [ الْبَقَرَةِ : 234 ] . يَقْتَضِي
[ ص: 43 ] فِعْلُهُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنَ الْمَعْرُوفِ الْحَسَنِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الْحَسَنِ أَنْ تُنْكِحَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923858nindex.php?page=treesubj&link=11090الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا فَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ لِأَهْلِ اللُّغَةِ فِي الْأَيِّمِ قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ، وَإِنْ لَمْ تُنْكَحْ قَطُّ . يُقَالُ : امْرَأَةٌ أَيِّمٌ ، إِذَا كَانَتْ خَلِيَّةً مِنْ زَوْجٍ ، وَرَجُلٌ أَيِّمٌ إِذَا كَانَ خَلِيًّا مِنْ زَوْجَةٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا لَا يُقَالُ لَهَا أَيِّمٌ إِلَّا إِذَا نَكَحَتْ ، ثُمَّ حَلَّتْ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ ، بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي يَدَ الدَّهْرِ مَا لَمْ تَنْكِحِي أَتَأَيَّمِ
فَأَمَّا الْأَيِّمُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهَا الثَّيِّبُ مِنَ الْخَالِيَاتِ الْأَيَامَى دُونَ الْأَبْكَارِ لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923859الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ الْأَيِّمَ بِالْبِكْرِ اقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ غَيْرَ الْأَيِّمِ ، لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ غَيْرُ الْبِكْرِ إِلَّا الثَّيِّبُ ، فَلِهَذَا عَدَلَ بِالْأَيِّمِ عَنْ حَقِيقَةِ اللُّغَةِ إِلَى مُوجِبِ الْخَبَرِ .
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ ، فَعَنِ الْخَبَرِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا فِي أَنَّهَا لَا تُجْبَرُ إِنْ أَبَتْ وَلَا تُمْنَعُ إِنْ طَلَبَتْ تَفَرُّدَهَا بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شُهُودٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا وَلِيًّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي جَعَلَهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مُوجِبَ أَنْ لَا يُسْقِطَ وِلَايَتَهُ عَنْ عَقْدِهَا ، لِيَكُونَ حَقُّهَا فِي نَفْسِهَا ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي عَقْدِهَا ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=923852لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ فِي الْعَقْدِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ لَفْظَةَ " أَحَقُّ " مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمُسْتَحَقِّ إِذَا كَانَ حَقُّ أَحَدِهِمَا فِيهِ أَغْلَبَ ، كَمَا يُقَالُ : زَيْدٌ أَعْلَمُ مِنْ عَمْرٍو إِذَا كَانَا عَالِمَيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ وَأَعْلَمُ ، وَلَوْ كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا وَعَمْرٌو جَالِسًا لَكَانَ كَلَامًا مَرْدُودًا : لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ الْعَالِمُ أَعْلَمُ مِنَ الْجَاهِلِ ، وَهَذَا الْفَرْدُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ ، وَحَقُّ الثَّيِّبِ أَغْلَبُ ، فَالْأَغْلَبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَتِهَا الْإِذْنُ وَالِاخْتِيَارُ مِنْ جِهَةِ قَبُولِ الْإِذْنِ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923860لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ :
[ ص: 44 ] فَالْأَمْرُ هُوَ الْإِجْبَارُ وَالْإِلْزَامُ ، وَلَيْسَ
nindex.php?page=treesubj&link=11051لِلْوَلِيِّ إِجْبَارُ الثَّيِّبِ وَإِلْزَامُهَا وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَقْدِ دُونَ وَلِيِّهَا ، كَمَا لَا تَنْفَرِدُ بِهِ دُونَ الشُّهُودِ .
فَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا ، فَرِوَايَةُ
عِكْرِمَةَ بْنِ فُلَانٍ ، فَإِنْ كَانَ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ مُرْسَلُ الْحَدِيثِ ، لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ وَلَمْ يُسْنِدْهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21528وَالْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21484وَجَهَالَةُ الرَّاوِي تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ حَدِيثِهِ ، ثُمَّ لَا حُجَّةَ فِيهِ لَوْ صَحَّ : لِأَنَّهُ رَدَّ نِكَاحًا انْفَرَدَ بِهِ الْوَلِيُّ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً لَوْ أَجَازَ نِكَاحًا تَفَرَّدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّجُلِ ، فَالْمَعْنَى فِي الرَّجُلِ ، أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ فِي الْكَفَاءَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ ، وَلَمَّا كَانَ لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمَرْأَةِ اعْتِرَاضٌ فِي الْكَفَاءَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ اعْتِرَاضٌ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَقْدُ نِكَاحِهَا .
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْمَهْرِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهَا فِيهِ وَيَمْنَعَهَا بِأَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ هُوَ مُنْتَقَضٌ بِقَطْعِ الْأَطْرَافِ فِي إِبْدَالِهَا مِنَ الدِّيَةِ ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْقَطْعِ وَالْإِبَاحَةِ .