الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : فإن طلقها والنخل مطلعة ، فأراد أخذ نصفها بالطلع لم يكن له ذلك ، وكانت كالجارية الحبلى والشاة الماخض ، ومخالفة لهما في أن الإطلاع لا يكون مغيرا للنخل عن حالها ، فإن شاءت أن تدفع إليه نصفها فليس له إلا ذلك " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : في رجل أصدق امرأة نخلا وطلقها قبل الدخول وقد أثمرت ، فالثمرة زيادة اختلف أصحابنا فيها ، هل تجري في الصداق مجرى الزيادة المتميزة أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنها زيادة متميزة كالولد ، سواء كانت مؤبرة أو غير مؤبرة ؛ لإمكان قطعها عن الأصل وجواز إفرادها بالعقد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها زيادة غير متميزة في حكم الصداق سواء كانت مؤبرة أو غير مؤبرة ؛ لاتصالها بالأصل ، فجرت مجرى الحمل .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنها إن كانت مؤبرة فهي متميزة كالولد ؛ لأنها لا تتبع الأصل في البيع ، وإن كانت في طلعها غير مؤبرة فهي غير متميزة كالحمل ؛ لأنها تتبع الأصل في البيع .

                                                                                                                                            فإذا تقررت هذه الوجوه الثلاثة ، فالثمرة للزوجة على جميع أحوالها ؛ لحدوثها في ملكها ، ولها استيفاء النخل على ملكها ، لاستصلاح ثمرتها وتكاملها ، ويصير حق الزوج في قيمة النخل ، فيدفع إليه نصف قيمتها أقل ما كانت النخل قيمة من حين أصدق إلى أن سلم .

                                                                                                                                            [ أحوال بذل المرأة نصف النخل المثمر لزوجها ]

                                                                                                                                            فإذا كان كذلك فلها أربعة أحوال : فالحالة الأولى .

                                                                                                                                            [ إيضاح الحالة الأولى ]

                                                                                                                                            أن تبذل له نصف النخل مع نصف الثمرة .

                                                                                                                                            [ ص: 440 ] فإن قبلها جاز ثم ينظر ؛ فإن جعلنا الثمرة زائدة غير متميزة كان بذل الزوجة لها عفوا عنها ، فلا يراعى فيه لفظ الهبة ولا القبض .

                                                                                                                                            وإن جعلناها زيادة متميزة فهل يجري عليها حكم العفو أو حكم الهبة ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : حكم الهبة ، ولا تتم إلا بالقبض ؛ لأنها بالتمييز كالولد الذي لو بذلت نصفه للزوج مع نصف أمة ، كانت هبة لا تتم إلا بالقبض .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يجري عليها حكم العفو ، وتتم بغير قبض بخلاف الولد ؛ لأن المقصود ببذلها إيصال الزوج إلى حقه من النخل الذي لا يقدر عليه إلا بها ، وخالف الولد ؛ لأنه يقدر على الرجوع بالأم دونه .

                                                                                                                                            وإن امتنع الزوج من قبول الثمرة ففي إجباره على القبول ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه يجبر على القبول ، سواء قيل إن الثمرة متميزة ، أو غير متميزة ؛ لأنه منع من النخل في حق الزوجة لدفع الضرر عنها في الثمرة ، فإذا صارت إليه فلا ضرر عليها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يجبر على القبول ، سواء قيل إن الثمرة زائدة متميزة أو غير متميزة ؛ لأن حقه صار في القيمة ، فلم يكن لها أن تعدل به إلى العين .

                                                                                                                                            والوجه الثالث - وهو أصح - : أن إجباره معتبر بحكم الثمرة .

                                                                                                                                            فإن قيل : إنها زيادة متميزة لم يجبر على القبول كالولد ، وله أن يعدل إلى نصف قيمة النخل .

                                                                                                                                            وإن قيل : إنها زيادة غير متميزة كالسمن ، أجبر على القبول ، ولم يكن له أن يعدل إلى نصف القيمة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية