مسألة : ( قال المزني ) - رحمه الله - : وروى الشافعي عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ورواه غير لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل الشافعي عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، واجبة . الشهادة في النكاح
وقال داود : غير واجبة ، وبه قال من الصحابة : علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن الزبير ، وعمر ، وعبد الله بن عباس .
ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، والنخعي .
[ ص: 58 ] ومن الفقهاء : أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل ، ومالك ، وأبو ثور ، غير أن مالكا جعل الإشهاد به وترك التراخي بكتمه شرطا في صحته ، واستدلوا بقوله تعالى : فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء : 3 ] فكان على عمومه ، وكما رواه عباد بن سنان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أنكحك أمامة بنت ربيعة بن الحارث ؟ قال : بلى ، قد أنكحتها ، ولم يشهد ، ولما روي أن عليا زوج بنته أم كلثوم من عمر ولم يشهد .
قالوا : ولأن : عقد على عين كالبيع ، وعقد على منفعة كالإجارة ، وليست الشهادة شرطا في واحد منهما فكان النكاح ملحقا بأحدهما . العقود نوعان
واستدل مالك خصوصا في وجوب الإشهاد بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نكاح السر . أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف
ودليلنا ما رواه الحسن عن عمران بن الحصين عن النبي أنه قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدين . وروى ابن مسعود عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدين .
وروى هشام بن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : : زوج ، وولي ، وشاهدي عدل لا بد في النكاح من أربعة . ولأن عقد النكاح لما خالف سائر العقود في تجاوزه عن المتعاقدين إلى ثالث هو الولد الذي يلزم حفظ نسبه ، خالفها في وجوب الشهادة عليه حفظا لنسب الولد الغائب : لئلا يبطل نسبه فيجاهد الزوجين ، وفي هذا انفصال عما ذكروه من الاستدلال في إلحاقه إما بعقود الأعيان ، أو بعقود المنافع .
فأما الجواب عن الأول : فهو أن المقصود بها من يستباح من المنكوحات ، ولم يرد في صفات النكاح .
وأما الجواب عن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت ربيعة ولم يشهد ، وتزويج علي بنته أم كلثوم بعمر بن الخطاب ولم يشهد ، فهذا جواب واحد ، وهو أنه حضر العقد شهود لم يقل لهم اشهدوا : إذ يبعد أن يخلو مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال بروزه من حضور نفسين فصاعدا ، وكذلك حال عمر مع علي عليهما السلام ، لا يخلو أن يحضره نفسان ، وإذا حضر العقد شاهدان بقصد أو اتفاق صح العقد بهما ، وإن لم يقل لهما اشهدا ، فلم يكن في الخبر دليل : لأن قول الراوي : ولم يشهد ، أي لم يقل لمن حضر اشهدوا ، وكيف يصح ذلك عن عمر ، وقد روي عنه أنه رد نكاحا حضره رجل وامرأة ، فقال : هذا نكاح السر ولا أجيزه ، ولو تقدمت فيه لرجمت . وفيه تأويلان : [ ص: 59 ] أحدهما : يعني لو تقدمت فيه فخولفت .
والثاني : يعني لو تقدمت بالواجب وتعديت إلى ما ليس بجائز لرجمت .
وأما استدلال مالك بقوله عليه السلام : ففيه جوابان : وأعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف
أحدهما : أن إعلانه يكون بالشهادة ، وكيف يكون مكتوما ما شهده الشهود ، أم كيف يكون معلنا ما خلا من بينة وشهود .
والجواب الثاني : أن يحمل إعلانه على الاستحباب ، كما حصل ضرب الدف على الاستحباب دون الإيجاب لمن كان في ذلك العصر ، وإن كان في عصرنا غير محمول على الاستحباب ولا على الإيجاب .
وأما نهيه عن ، فهو النكاح الذي لم يشهده الشهود ، ألا ترى أن نكاح السر عمر رد نكاحا حضره رجل وامرأة ، وقال : هذا نكاح السر ولا أجيزه ، وقال الشاعر :
وسرك ما كان عند امرئ وسر الثلاثة غير الخفي