الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من حكم الثيب ، وإنها مفارقة للبكر من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن البكر تجبر ، والثيب لا تجبر .

                                                                                                                                            والثاني : أن إذن البكر الصمت ، وإذن الثيب النطق ، وجب أن نصف الثيب بما تمتاز به عن البكر . والثيب : هي التي زالت عذرتها ، وزوال العذرة على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يزول بوطء .

                                                                                                                                            والثاني : أن تزول بظفرة أو جناية .

                                                                                                                                            والثالث : أن تزول خلقة وهي أن تخلق لا عذرة لها .

                                                                                                                                            [ ص: 68 ] فأما القسم الأول وهو أن تزول عذرتها بوطء ، فالوطء على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون حلالا إما في عقد نكاح ، أو بملك يمين .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون شبهة .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون زنا حراما . وجميع ذلك يزول به البكارة سواء كان الوطء بنكاح أو سفاح ، ويجري عليها حكم الثيب .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا زالت عذرتها بزنا ، كانت في حكم البكر إلا أن يتكرر منها استدلالا بأن الزانية إذا تذكرت ما فعلت من الزنا خجلت واستحت من التصريح بطلب الأزواج ، فكان حالها أسوأ حالا من البكر ، ولأن كل وطء لا يبيح الرجعة للزوج الأول لم يزل به حكم البكارة كالوطء في غير القبل .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس للولي مع الثيب أمر فكان على عمومه : ولأن بكارتها زالت بوطء ، فوجب أن تكون في حكم الثيب كالموطوءة في نكاح ، ولأن كل وطء زالت به البكارة ، إذا كان حلالا زالت به البكارة وإن كان محظورا كوطء الشبهة ، ولأن كل وطء زالت به البكارة إذا تكرر زالت به البكارة وإن لم يتكرر كالمنكوحة ، وقد قال : إنه لو تكرر منها الزنا صارت ثيبا ، وكذلك إذا لم يتكرر ، ولأن صمت البكر إنما صار إذنا لاستحيائها بدوام الخفر وقلة اختيارها للرجال ، فتميزت عن الثيب التي قد ظهر خفرها وخبرت الرجال ، فصارت أقل حياء من البكر ، والزانية لم تقدم على الزنا إلا لزوال الحياء وارتفاع الخفر ، فصارت أجرأ على القول وأخبر بالرجال من ذات الزوج . وفي هذا الاستدلال انفصال عما أورده ، فأما قياسه مع انتقاضه بتكرار الزنا ، فالمعنى في الوطء في غير القبل بقاء العذرة مفارق الزنا الذي زالت به العذرة في الوطء في غير القبل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية