مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولا تزوج البكر بغير إذنها ، ولا يزوج الصغيرة إلا أبوها أو جدها بعد موت أبيها " .
قال الماوردي : اعلم أن ، نكاح البكر معتبر بأوليائها : لأن الثيب لا تزوج مع الأولياء إلا بإذنها ، والبكر يجبرها عليه بعض أوليائها ، وإن كان كذلك لم يخل ولي البكر من أن يكون أبا أو عصبة ، فإن كان وليها أبا وزوجها جبرا ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة عاقلة أو مجنونة ، وهكذا الجد بعد موت الأب ، يقوم في إجبارها مقام الأب ، لكن اختلف أصحابنا هل ونكاح الثيب معتبر بنفسها : لأنه مشارك له في اسم الأب ، أو لأنه في معنى الأب ؟ على وجهين : قام مقام الأب
أحدهما : لأنه مشارك له في الاسم : لأنهما يسميان أبا ، قال الله تعالى : ملة أبيكم إبراهيم [ الحج : 78 ] .
والوجه الثاني : لأنه في معنى الأب ، وإن لم يشاركه في الاسم لما فيه من صفتي الأب التي تميز بها عن سائر الأولياء ، وهما الولادة والتعصب ، فبالولادة تميز عن الإخوة ، وبالتعصب تميز عن الجد للأم ، وإن كان ولي البكر عصبة روعي حالها حينئذ ، فإن كانت صغيرة لم يكن لأحد من عصابتها تزويجها سواء كانت عاقلة أو مجنونة ، وإن كانت كبيرة زوجها أقرب عصبتها إن كانت عاقلة باختيارها وعن إذنها ، وإن كانت مجنونة لم يزوجوها : لأن تزويجها في الجنون معتبر بالنظر في مصالحها ، ولا نظر للعصبات في مصالحها ، ولذلك لم يكن لهم ولاية في حالها ، وإن كان ولي البكر الحاكم ، فإن كانت صغيرة لم يكن له تزويجها عاقلة كانت أو مجنونة : لأنها ليست من أهل المناكح فتزوج ، ولا من أهل الاختيار فتستأذن ، وإن كانت كبيرة نظر ، فإن كانت عاقلة لم يكن للحاكم تزويجها إلا بإذنها ، وإن كانت مجنونة زوجها إذا رأى ذلك صلاحا لها ، وإن لم يكن للعصبة تزويجها في حال جنونها .
والفرق بينهما : أن للحاكم نظرا في مصالحها ، شارك به الأب وفارق به العصبة ، ولذلك ولي على مالها ، وإن لم يلي عليه العصبة .