مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن قذفها أو انتفى من ولدها قيل له إن أردت أن تنفي ولدها فالتعن فإذا التعن ، وقعت الفرقة ونفي عنه الولد ، فإن كذب نفسه لحق به الولد ولم يعزر " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح .
إذا
nindex.php?page=treesubj&link=12195_12288_12239قذف الرجل زوجته المجنونة بالزنا ، فلا حد عليه : لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة [ النور : 4 ] والمحصنة الكاملة بالعقل والعفاف : ولأن حد القذف يجب للحوق المعرة بالمقذوفة ، والمجنونة لا يلحقها بالزنا عار : لأنها لا تفرق بين القبيح والحسن ولا بين المباح والمحذور : ولأن حد القذف على القاذف في مقابلة حد الزنا على المقذوف ، والمجنونة لو ثبت زناها لم تحد فلم يجب على قاذفها
[ ص: 135 ] حد ، فإن لم يرد الزوج أن يلاعن ، فلا يقال ، وإن أراد اللعان لم يخل حال زوجته المجنونة من أحد أمرين :
إما أن تكون ذات ولد أو خلية من ولد ، فإن كانت ذات ولد ، كان له أن يلاعن منها : ليبقى باللعان ولدها ، فإذا لاعن انتفى عنه الولد ووقعت الفرقة بينهما على التأييد ، وإن لم يكن لها ولد ففي جواز اللعان فيهما وجهان :
أحدهما : يلاعن لتستفيد بلعانه تحريم التأبيد .
والوجه الثاني - وهو أصح - : أنه لا يجوز أن يلاعن : لأن معقود اللعان درأ الحد ونفي الولد الذي لا يقدر عليه بغير اللعان ، وقد عدم الولد وليس يجب عليه بقذفها حد ، فلم يجز أن يلاعن ، فلو عاد هذا الزوج بعد نفي الولد بلعانه فأكذب نفسه ، لحق به الولد ولم يزل التحريم المؤبد : لأن لحوق الولد حق عليه وزوال التحريم حق له ، ومن أقر بما عليه لزمه ، ومن أقر بما له لم يقبل منه ، فأما تعزيره بعد رجوعه ، فقد قال
الشافعي هاهنا : لم يعزر ، وقال في موضع آخر : يعزر ، وليس هذا على اختلاف قولين ، وإنما التعزير على ضربين :
أحدهما : تعزير قذف .
والثاني : تعزير أذى .
فأما تعزير القذف : فهو في قذف من لم تكمل حاله من المكلفين كالكفار والعبيد ، فلا يجب على المسلم الحر في قذفهم حد ، لكن يجب فيه التعزير بدلا من الحد ، ويكون حقا للمقذوف يرجع إلى خياره في استيفائه أو العفو عنه .
وأما تعزير الأذى : فهو في قذف غير المكلفين من الصغار والمجانين فهذا التعزير فيه لمكان الأذى يستوفيه الإمام إن رأى ، ويكون الفرق بينه وبين تعزير القذف من وجهين :
أحدهما : وجوب هذا وإباحة ذاك .
والثاني : رد هذا إلى خيار المقذوف ، ورد ذاك إلى الإمام ، وإذا كان كذلك ، كان قول
الشافعي هاهنا لم يعزر محمولا على تعزير الأذى ، والله أعلم .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " فَإِنْ قَذَفَهَا أَوِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا قِيلَ لَهُ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَنْفِيَ وَلَدَهَا فَالْتَعِنْ فَإِذَا الْتَعَنَ ، وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَنُفِيَ عَنْهُ الْوَلَدُ ، فَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يُعَزَّرْ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ .
إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=12195_12288_12239قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ الْمَجْنُونَةَ بِالزِّنَا ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [ النُّورِ : 4 ] وَالْمُحْصَنَةُ الْكَامِلَةُ بِالْعَقْلِ وَالْعَفَافِ : وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجِبُ لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ بِالْمَقْذُوفَةِ ، وَالْمَجْنُونَةُ لَا يَلْحَقُهَا بِالزِّنَا عَارٌ : لِأَنَّهَا لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ الْقَبِيحِ وَالْحَسَنِ وَلَا بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمَحْذُورِ : وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ فِي مُقَابَلَةِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ ، وَالْمَجْنُونَةُ لَوْ ثَبَتَ زِنَاهَا لَمْ تُحَدَّ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى قَاذِفِهَا
[ ص: 135 ] حَدٌّ ، فَإِنْ لَمْ يُرِدِ الزَّوْجُ أَنْ يُلَاعِنَ ، فَلَا يُقَالُ ، وَإِنْ أَرَادَ اللِّعَانَ لَمْ يَخْلُ حَالُ زَوْجَتِهِ الْمَجْنُونَةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ :
إِمَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ وَلَدٍ أَوْ خَلِيَّةً مَنْ وَلَدٍ ، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ ، كَانَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا : لِيَبْقَى بِاللِّعَانِ وَلَدَهَا ، فَإِذَا لَاعَنَ انْتَفَى عَنْهُ الْوَلَدُ وَوَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّأْيِيدِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَفِي جَوَازِ اللِّعَانِ فِيهِمَا وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يُلَاعِنُ لِتَسْتَفِيدَ بِلِعَانِهِ تَحْرِيمَ التَّأْبِيدِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ أَصَحُّ - : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ : لِأَنَّ مَعْقُودَ اللِّعَانِ دَرَأُ الْحَدِّ وَنَفِيُ الْوَلَدِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اللِّعَانِ ، وَقَدْ عَدَمَ الْوَلَدَ وَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِقَذْفِهَا حَدٌّ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ ، فَلَوْ عَادَ هَذَا الزَّوْجُ بَعْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ بِلِعَانِهِ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ ، لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ يَزَلِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ : لِأَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ حَقٌّ عَلَيْهِ وَزَوَالَ التَّحْرِيمِ حَقٌّ لَهُ ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا عَلَيْهِ لَزِمَهُ ، وَمَنْ أَقَرَّ بِمَا لَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، فَأَمَّا تَعْزِيرُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ ، فَقَدْ قَالَ
الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا : لَمْ يُعَزَّرْ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يُعَزَّرُ ، وَلَيْسَ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ ، وَإِنَّمَا التَّعْزِيرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : تَعْزِيرُ قَذْفٍ .
وَالثَّانِي : تَعْزِيرُ أَذَى .
فَأَمَّا تَعْزِيرُ الْقَذْفِ : فَهُوَ فِي قَذْفِ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ حَالُهُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ كَالْكُفَّارِ وَالْعَبِيدِ ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ فِي قَذْفِهِمْ حَدٌّ ، لَكِنْ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ بَدَلًا مِنَ الْحَدِّ ، وَيَكُونُ حَقًا لِلْمَقْذُوفِ يَرْجِعُ إِلَى خِيَارِهِ فِي اسْتِيفَائِهِ أَوِ الْعَفْوِ عَنْهُ .
وَأَمَّا تَعْزِيرُ الْأَذَى : فَهُوَ فِي قَذْفِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ فَهَذَا التَّعْزِيرُ فِيهِ لِمَكَانِ الْأَذَى يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ إِنْ رَأَى ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْزِيرِ الْقَذْفِ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : وُجُوبُ هَذَا وَإِبَاحَةُ ذَاكَ .
وَالثَّانِي : رَدُّ هَذَا إِلَى خِيَارِ الْمَقْذُوفِ ، وَرَدُّ ذَاكَ إِلَى الْإِمَامِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، كَانَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ هَاهُنَا لَمْ يُعَزَّرْ مَحْمُولًا عَلَى تَعْزِيرِ الْأَذَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .