الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            قال الشافعي - رضي الله عنه - : " وإن طلب أن يبوئها معه بيتا لم يكن ذلك على السيد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإذا قد مضى الكلام في المهر فنذكر الكلام في النفقة ، أما إذا كان الزوج غير ممكن من الدخول بها ، فلا نفقة عليه كما لم يكن عليه مهر ، وإن كان ممكنا من الدخول بها لم يجز أن يمنع بعد التمكين من زمان الاستمتاع بها ، وزمان الاستمتاع بها أقل [ ص: 175 ] من زمان الاستمتاع بالحرة : لأن الحرة عليها تمكين نفسها من الزوج ليلا ونهارا ، والأمة يلزم تمكينها من الزوج ليلا ولا يلزم تمكينها منه نهارا .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن الأمة قد استحق السيد استخدامها والزوج الاستمتاع بها ، ولذلك جاز للسيد بعد تزويجها أن يؤجرها ، وليست الحرة مستحقة لخدمة نفسها ، ولذلك لم يجز للزوجة أن تؤجر نفسها ، وإذا اجتمع في منفعة الأمة حقان حق الاستخدام للسيد وحق الاستمتاع للزوج وجب أن يراعى زمان كل واحد منهما ، فيستوفيه مستحقه ، فوجدنا الليل بالاستمتاع أحق من النهار ، فجعلنا الليل لاستمتاع الزوج ووجدنا النهار بالاستخدام أخص من الليل ، فجعلنا النهار لاستخدام السيد ، ولو كان ما يستحقه من الاستخدام بالنهار يمكن أن يستوفيه منها ، وهي عند الزوج كالغزل والنساجة وما جرى مجراهما من صنائع المنازل ، فهل يجبر السيد إذا وصل إلى حقه من المنفعة والاستخدام أن يسكنها مع الزوج نهارا أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبي إسحاق - : يلزمه ذلك ويجبر عليه لوصوله إلى حقه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي حامد الإسفراييني - : إنه لا يلزمه ذلك : لأن له أن يعدل عن هذا الاستخدام إلى غيره ، وإذا كان كذلك لم يخل حالها مع الزوج من ثلاثة أقسام : أحدها : أن يمكنه السيد منها ليلا ونهارا ، فعلى الزوج نفقتها كاملة لكمال الاستمتاع .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يمنعه منها ليلا ونهارا ، فليس على الزوج نفقتها ولا شيء منها لفوات استمتاعه بها .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يمكنه منها ليلا في زمان الاستمتاع ، ويمنعه منها نهارا في زمان الاستخدام ، ففي نفقتها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبي إسحاق المروزي - : أنه لا نفقة لها على الزوج ويلتزمها السيد : لأن الزمان الذي تستحق به النفقة ، وهو النهار الذي يستحقه السيد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - : أن على الزوج أن ينفق عليها بقسط ما يستحقه من الاستمتاع بها في الليل وعلى السيد أن ينفق عليها بقسط ما يستحقه من الاستخدام لها في النهار : لأن لكل واحد من الزمانين حظا من الحاجة إلى النفقة ، فلم يلزم السيد قسط الليل كما لم يلزم الزوج قسط النهار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية