الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما الحال الثانية : وهو أن يسلم أحد الزوجين ، فينظر : فإن أسلم الزوج وزوجته كتابية ، فالنكاح بحاله : لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها في الإسلام ، فجاز أن يستديم نكاحها في الشرك ، وإن كانت زوجته وثنية ، أو أسلمت الزوجة وكان زوجها كتابيا أو وثنيا ، فكل ذلك سواء : لأن الجمع بينهما بعد إسلام أحدهما محرم ، وإذا كان كذلك نظر في إسلام أحدهما ، فإن كان قبل الدخول بطل النكاح ، وإن كان بعده كان موقوفا على انقضاء العدة ، فإن أسلم المتأخر في الشرك منهما قبل انقضائها ، كانا على النكاح ، وإن لم يسلم حتى انقضت بطل النكاح ، وسواء تقدم بالإسلام الزوج أو الزوجة ، وسواء كان الإسلام في دار الحرب أو دار الإسلام .

                                                                                                                                            وقال مالك : إن تقدمت الزوجة بالإسلام كان الحكم على ما ذكرناه إن كان قبل الدخول بطل النكاح ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ، وإن تقدم الزوج بالإسلام كان النكاح باطلا إلا أن تسلم الزوجة بعده بزمان يسير كيوم أو يومين .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن أسلم أحدهما ، فلهما ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            حال يكونان في دار الحرب ، وحال يكونان في دار الإسلام ، وحال يكون أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام .

                                                                                                                                            [ ص: 259 ] فإن كانا في دار الحرب ، فأسلم أحدهما ، فالنكاح موقوف على انقضاء العدة سواء كانت قبل الدخول أو بعده .

                                                                                                                                            وإن كانا في دار الإسلام ، فأسلم أحدهما ، كان النكاح موقوفا على الأبد قبل الدخول وبعده ، إلا أن يعرض الإسلام على المتأخر في الشرك فيمتنع ، فيوقع الحاكم بطلقة .

                                                                                                                                            وإن كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام ، فإسلام من حصل في ذلك الإسلام موجب لفسخ النكاح في الحال قبل الدخول وبعده من غير وقف ، وسواء كان المسلم هو الزوج أو الزوجة .

                                                                                                                                            وقال داود ، وأبو ثور : إسلام أحدهما دون الآخر موجب لفسخ النكاح في الحال من غير وقف على أي حال كان إسلامه ، وفي أي مكان كان .

                                                                                                                                            فأما مالك فاستدل لمذهبه بقول الله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] فوجب أن يحرم على المسلم التمسك بعصمة كافر ، ولأن إسلام أحد الزوجين إذا كان مؤثرا في الفرقة كان معتبرا بإسلام الزوج دون الزوجة : لأن الفرقة إلى الرجال دون النساء .

                                                                                                                                            والدليل عليه ما روي أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وزوجتاهما في الشرك بمكة ، فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة إلى هند زوجة أبي سفيان ، فقرأ عليها القرآن وعرض عليها الإسلام ، فأبت ثم أسلمت ، وأسلمت زوجة حكيم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقرهما على النكاح مع تقدم إسلام الزوجين ، ولأن حظر المسلمة على الكافر أغلظ من حظر الكافرة على المسلم : لأن المسلمة لا تحل لكتابي ، والمسلم تحل له الكتابية ، فلما لم يتعجل فسخ نكاح المسلمة مع الكافر ، فأولى أن لا يتعجل فسخ نكاح الكافر مع المسلمة .

                                                                                                                                            فأما الآية فلا دليل له فيها : لأنه ممنوع أن يتمسك بعصمتها في الكفر ، وإنما تمسك بعصمتها بعد الإسلام .

                                                                                                                                            وأما استدلاله بأن الفرقة إلى الزوج دون الزوجة ، فذاك في فرقة الاختيار التي يوقعها المالك والطلاق ، فأما فرقة الفسوخ فيستوي فيها الزوجان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية