الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الرابع : وهو أن يسلم بعضهن قبله وبعضهن بعده .

                                                                                                                                            [ ص: 270 ] مثاله : أن يسلم قبله اثنتان وبعده اثنتان ، فهذا على أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون موسرا عند إسلام الأوائل والأواخر ، فنكاح الجميع باطل ، لكن ينفسخ نكاح الأوائل بإسلام الزوج لا بإسلامهن قبله ، وينفسخ نكاح الأواخر بإسلامهن لا بإسلام الزوج قبلهن : لأن كل واحد من النكاحين ينفسخ باجتماع الإسلامين واجتماعهما في الأوائل ، فيكون بإسلام الزوج واجتماعهما في الأواخر يكون بإسلام الأواخر .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون معسرا عند إسلام الأوائل والأواخر ، فله أن يختار نكاح واحدة إن شاء من الأوائل وإن شاء من الأواخر : لأن كل واحدة من الفريقين يجوز عند اجتماع الإسلامين أن يستأنف نكاحها ، فجاز أن يختارها ، فإذا اختار واحدة من أحد الفريقين انفسخ باختياره نكاح الباقيات واستأنفن عدد الفسخ .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون عند إسلام الأوائل معسرا ، وعند إسلام الأواخر موسرا ، فيبطل نكاح الأواخر بإسلامهن ، وله أن يختار من الأوائل واحدة وينفسخ باختياره نكاح الأخرى .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يكون موسرا عند إسلام الأوائل معسرا عند إسلام الأواخر ، فنكاح الأوائل باطل بإسلام الزوج ، وله أن يختار من الأواخر واحدة ، فإن أسلمتا معا اختار أيتهما شاء ، وانفسخ باختياره نكاح الأخرى ، وإن أسلمت إحداهما بعد الأخرى فهو مخير بين تعجيل اختيار الأولى وبين تأخيره إلى إسلام الثانية ، فإذا كان كذلك ، فلها أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يمسك عن الاختيار إلى أن تسلم الثانية ، فله إذا أسلمت أن يختار أيتهما شاء ، فإذا اختار إحداهما ثبت نكاحهما ، وانفسخ به نكاح الأخرى .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يعجل اختيار الأولى ، فإذا اختارها ثبت نكاحها ، وبطل به نكاح الثانية ، وإن كانت باقية في الشرك : لأنه لما بطل نكاحها باختيار تلك ، فإن كانت هذه قد أسلمت فأولى أن يبطل به نكاحها وإن لم تسلم ، فإذا أسلمت ثبت على ما مضى من عدتها من وقت الاختيار في الشرك .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يطلق الأولى قبل إسلام الثانية ، فيقع الطلاق عليها ، ويكون ذلك اختيارا لنكاحها : لأن الطلاق لا يقع إلا على زوجة فيصير الطلاق موجبا للاختيار وموقعا للفرقة ، ويبطل به نكاح المتأخرة : لأنه قد صار مختارا لغيرها .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يفسخ نكاح الأولى قبل إسلام الثانية ، فلا تأثير لفسخه في الحال : لأنه يفسخ نكاح من لا يجوز له إمساكها ، وقد يجوز أن لا تسلم الثانية ، فيلزمه إمساك الأولى ، فلذلك لم يؤثر فسخه في إنكاحها ، فإن لم تسلم الثانية ثبت نكاح الأولى وبأن فسخ نكاحها كان مردودا ، وإن أسلمت الثانية ، فإن اختارها وفسخ نكاح الأولى جاز وثبت نكاح الثانية وانفسخ نكاح الأولى ، وإن اختار الأولى وفسخ نكاح الثانية ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز : لأن فسخ نكاحها في الأول لما لم يؤثر في الحال ، فبطل أن يقع حكمه .

                                                                                                                                            [ ص: 271 ] والوجه الثاني : قد لزمه فسخها ، ولا يجوز له اختيارها : لأنه لم يؤثر في الحال : لعدم غيرها فلما وجد غيرها صار مؤثرا ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية