مسألة : قال الشافعي : " إلا أن تكون مكاتبة فيرجع عليها في كتابتها : لأنها كالجناية ، فإن عجزت فحتى تعتق ، فإن ضربها أحد فألقت جنينا ، ففيه ما في جنين الحرة ( قال المزني ) رحمه الله : قد جعل الشافعي جنين المكاتبة كجنين الحرة إذا تزوجها على أنها حرة " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : كان في نكاحها قولان كالأمة : إذا تزوجها على أنها حرة فكانت مكاتبة
أحدهما : باطل .
والثاني : جائز .
وهل له الخيار أم لا ؟ على قولين كالأمة .
فإذا قيل بصحة النكاح ، وأن لا خيار فيه أو فيه الخيار فاختار المقام عليه ، فالمهر المسمى بالعقد واجب ، وهو للمكاتبة دون سيدها : لأنه من كسبها واكتساب المكاتبة لها بخلاف الأمة ، فأما أولادها الذين علقت بهم بعد علم الزوج بكتابتها ففيهم قولان : [ ص: 354 ] أحدهما : مماليك لسيدها .
والثاني : تبع لها يعتقون بعتقها إن أدت ، ويرقون برقها إن عجزت .
وإذا قيل ببطلان النكاح أو قيل بصحته ، وفيه الخيار ، فاختار الفسخ ، فالحكم في الحالين سواء ، وينظر فإن لم يدخل بها الزوج فلا مهر عليه ، وإن دخل بها فعليه مهر المثل دون المسمى يكون ذلك للمكاتبة دون سيدها ، وعليه قيمة أولادها وفيمن تكون له قيمتهم قولان :
أحدهما : للسيد إذا قيل : إنهم عبيده لو رقوا .
والثاني : للمكاتبة إذا قيل : إنهم تبع لها ثم فيما يأخذه من قيمتهم وجهان :
أجدهما - وهو قول أبي إسحاق المروزي - : تستعين به في كتابتها .
والوجه الثاني - وهو قول أبي علي بن خيران - : أن يكون موقوفا ، كما يوقف الأولاد لو رقوا ، فإن عتقت بالأداء ملكت قيمتهم ، وإن رقت بالعجز كانت قيمتهم للسيد ، ويرجع الزوج بقيمة الأولاد على من غره ، فإن كان الوكيل هو الذي غره ، رجع عليه بها بعد غرمها ، سواء غرمها للمكاتبة أو لسيدها ، وإن كانت المكاتبة هي التي غرته ، فإن قيل : يجب للسيد غرمها للسيد ، ثم رجع بها على المكاتبة في مال كتابتها فإن عجزت ورقت فبعد عتقها .
وإن قيل : تجب قيمة الأولاد لها دون السيد سقطت عنه ولم يغرمها : لأنه لو غرمها لرجع بها ، وأما المهر ففي رجوع الزوج به قولان على ما مضى .
فإن قيل : لا يرجع به ، دفع جميعه إليها .
وإن قيل : يرجع به ، نظر في الغار به : فإن كان الوكيل ، غرم لها مهرها ورجع بجميعه على الوكيل ، وإن كانت هي الغارة ، سقط عنه المهر : لأنه لها . وهل يسقط جميعه أم لا ؟ فيه وجهان :
أحدهما : يسقط جميعه : لأنه يستحق الرجوع على غيرها بجميعه .
والوجه الثاني : لا يسقط إلا أقل ما يجوز أن يكون مهرا ، فيلزمه دفعه إليها ، ولا يرجع به عليها : لأن لا يصير مستمتعا ببضعها من غير بذل .